الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سوء التغذية يقول ( هـلفدن ماهلر ) المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: (سوء التغذية هـو في الوقت نفسه أحد نتائج الظلم الاجتماعي، وأحد العوامل التي تسهم في بقاء هـذا الظلم) [1] .

وهناك من يقول: إن 70% من أولاد البلدان النامية يشكون من سوء التغذية [2] .

وفي أفريقيا 63% من النساء الحوامل (أي من 1.15 مليون) و40% من بقية النساء (أي من 1.77 مليون) مصابات بضعف الدم (الأنيميا Anamia) . أما في آسيا 65% من النساء الحوامل (أي من 2.43 مليون) و57% من بقية النساء (أي من 2.253 مليون) مصابات أيضا بضعف الدم.

وبصورة عامة يمكن القول: إن أكثر من نصف النساء في آسيا وأفريقيا مصابات بضعف الدم (64% من الحوامل، و50% من غير الحوامل) [3] ، ومجموع المصابات في القارتين: 75.212 مليون امرأة.

وفي الفترة ما بين 1969م، و1971م قدر أن المتوفر من الغذاء الذي يولد طاقة الإنسان هـو أقل من 10% من حاجات الجسم في 24 دولة نامية. وفي (33) دولة نامية أخرى هـناك نقص أقل من 10%. وقدر في [ ص: 68 ] بداية السبعينيات أن 30% من سكان شرقي آسيا (حوالي 300 مليون نسمة) ، و25% من سكان أفريقيا (حوالي 67 مليون نسمة) لا يحصلون على بروتين ومواد مولدة للطاقة بكميات كافية في غذائهم [4] .

(وفي عام 1974م انتشرت أمراض سوء التغذية في بلاد آسيوية عدة منها: الهند، وباكستان، وكمبوديا، والفيليبين، ومن مجموع ثمانمائة مليون طفل في الدول النامية الآن (عام 1978م) سيواجه أكثر من ثلثيهم السقم والأمراض المعوقة؛ إما بسبب مباشر من نقص التغذية، أو باستفحال هـذه الأمراض لنقص البروتين والمواد المولدة للطاقة) [5] .

ويتناقص إنتاج الغذاء باستمرار للسنة العاشرة على التوالي في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى، وفي (34) دولة فيها (260) مليون نسمة يوجد نقص شديد في الغذاء، والأطفال الناشئون هـم أكثر الأعمار تأثرا بهذا الوضع [6] .

بعد كل هـذه المقدمات والمعلومات المحزنة قد يتساءل الأخ القارئ عما هـو تعريف (سوء التغذية) ، كلمة (malnutrition) بالإنكليزية تعني: سوء التغذية ، ويحصل ذلك عادة من عدم توازن في العناصر الأساسية المستهلكة في الغذاء على افتراض وجودها كلها في [ ص: 69 ] متناول الناس، إلا أن سوء التغذية الذي نتحدث عنه في البلاد الفقيرة -النامية كما يسمونها- ناتج عن نقص هـذه العناصر كلها أو بعضها كما ونوعا في غذاء سكان البلاد البائسة. ونقص الغذاء -أي: أن يكون دون مستوى الكفاية- يسمى بالإنكليزية: (Underutrition) ، وهذه هـي الحالة السائدة والمسببة لسوء التغذية في العالم الثالث. وقد يحصل سوء تغذية في البلاد الغنية وبين الأغنياء، إلا أن هـذا ناتج عن أمر معاكس تماما؛ هـو التخمة وزيادة الوزن والتشحم والترهل بسبب الاستغراق في شهوات البطن، والدعة والخمول وهذه الحالات نادرة الوقوع في المجتمعات المسحوقة المحرومة.

وأتعجب والله من وجود الجائعين في المجتمعات المسلمة بل وجود المجاعات في بعضها، في الوقت نفسه الذي يوجد فيه كثيرون من أهل اليسر ويقرءون ما جاء في القرآن الكريم:

( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) (المدثر:42-44) . ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ) (الماعون:1-3) .

( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) (البقرة:219) ؛ أي: الزائد عن حاجتهم وعيالهم.

إلا أن كثيرا من (المسلمين) اليوم في واد والإسلام في واد آخر مع الأسف، ولا يكف أعداء الإسلام عن الادعاء الكاذب الجاهل الحاقد بأن سبب تخلف المسلمين هـو الإسلام،

( كبرت كلمة تخرج من [ ص: 70 ] أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) (الكهف:5) ، ورحم الله المفكر الإسلامي مالك بن نبي فهو أحد الذين دحضوا هـذه الفرية قائلا: (التخلف الذي يعاني منه الشرق لا يتحمل الإسلام وزره، فهذا التخلف يعد عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين؛ لتخليهم عنه، لا لتمسكهم به كما يزعمون) .

وصدق الله العظيم:

( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) (طه:124)

( وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) (الجن:16) .

وإذا امتنع ذوو الفضل والسعة واليسر من المسلمين عن طاعة الله ورسوله في هـذا المجال (مجال التكافل) أخذ (ولي الأمر) فضول أموالهم، كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه ، إذا اقتضت الضرورة ذلك، بالإضافة إلى الزكاة، يقول الأستاذ محمد المبارك رحمه الله بعد ما عرض النصوص المتعلقة بالموضوع: (ويستنتج من مجموع النصوص السابقة المبدأ التالي: ما زاد عن كفاية الإنسان وعياله وحاجاتهم من ماله معرض -حين ضرورة المجتمع إليه- للأخذ منه، بل أخذه جميعا إذا اقتضت الضرورة، ولا يقتصر في ذلك على أداء الزكاة في مثل هـذه الحالات، بل يتعداه إلى بقية المال بالنسبة للأغنياء الذين في أموالهم فضل وسعة) [7] . [ ص: 71 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية