فصل
، نظر إن كان عينا وطلب المدعي الحيلولة بينهما وبين المدعى عليه إلى أن يزكى الشاهدان ، أجيب إليه على الأصح ، وقيل : لا يجاب ، وقيل : يجاب إن كان المال مما يخاف تلفه أو تعيبه ، وإن كان عقارا ونحوه فلا ، وإن كان المدعى دينا ، لم يستوف قبل التزكية ، وقيل : يستوفى ويوقف ، حكاه إذا ادعى على إنسان مالا ، وشهد له به اثنان ، والصحيح الأول ، فلو طلب المدعي أن يحجر على المدعى عليه ، نقل الإمام عن الجمهور أنه لا يجيبه ، وعن ابن القطان القاضي حسين أنه إن كان يتهمه ( بحيلة ) حجر عليه ، لئلا يضيع ماله بالتصرفات والأقارير ، ولم يتعرض عامة الأصحاب للحجر ، لكن قالوا : هل يحبس المدعى عليه إذا كان المدعى دينا ، فيه وجهان ، قال البغوي : أصحهما نعم ، [ ص: 257 ] فإن قلنا : لا ، فللمدعي ملازمته إلى أن يعطيه كفيلا وأجرة من يبعثه القاضي معهما للتكفيل على المدعى ، وإن كان المدعى قصاصا ، أو حد قذف ، حبس المشهود عليه ؛ لأن الحق متعلق ببدنه ، فيحتاط له .
قلت : قال البغوي : سواء قذف زوجته أو أجنبيا . والله أعلم .
ولا يحبس في حدود الله - تعالى - وأما في دعوى النكاح ، فتعدل المرأة عند امرأة ثقة ، وتمنع من الانتشار والخروج ، وفيه وجه ضعيف ، فعلى هذا الوجه هل يؤخذ منها كفيل ؟ وجهان ، قال القاضي أبو سعد : فإن كانت المرأة مزوجة ، لم يمنع منها زوجها قبل التعديل ؛ لأنه ليس مدعى عليه ، ولو شهد اثنان لعبد بأن سيده أعتقه ، وطلب العبد الحيلولة قبل التزكية ، أجله القاضي ، وحال بينه وبين سيده ، ويؤجره وينفق عليه ، فما فضل فموقوف بينه وبين السيد ، فإن لم يكن له كسب ، أنفق عليه من بيت المال ، ثم يرجع على سيده إن بان جرح الشهود واستمر الرق ، وكذا الأعيان المنتزعة يؤجرها ، وهل تتوقف الحيلولة على طلب العبد ؟ وجهان ، الأصح : لا ، بل إذا رأى الحاكم الحيلولة ، فعلها .
وفي الأمة تتحتم الحيلولة احتياطا للبضع ، وكذا لو ادعت المرأة الطلاق ، وأقامت شاهدين ، فرق الحاكم بينهما قبل التزكية ، والوجهان في اشتراط طلب العبد للحيلولة جاريان في انتزاع العين المدعاة ، ويقرب منها وجهان ، حكاهما في أن إجارة العبد هل تفتقر إلى طلب السيد أو العبد ، أم يؤجره بغير طلبهما ؟ والثاني أقرب إلى ظاهر النص ، هذا كله إذا أقام المدعي شاهدين ، فلو أقام شاهدا ، وطلب الانتزاع قبل أن يأتي بآخر هل يجاب ؟ قولان أظهرهما عند الجمهور : لا ؛ لأن الشاهد وحده ليس بحجة ، وفي الشاهدين تمت [ ص: 258 ] الحجة ، وهل يحبس المدعى عليه في القصاص والقذف بشاهد ؟ فيه القولان ، ويجري فيه الخلاف في دعوى النكاح تعديلا ، ثم تكفيلا إن لم يعدل ، وفي دعوى العتق والطلاق هل يحال ؟ فيه القولان ، ثم ذكر العراقيون ابن كج أن الحيلولة والحبس قبل التعديل يتعينان إلى ظهور الأمر للقاضي بالتزكية أو الجرح ، ولا تقدر له مدة ، والحيلولة والحبس بشاهد إذا قلنا به لا يزادان على ثلاثة أيام ، وعن والروياني أبي إسحاق أنه لا حيلولة ولا حبس إذا كان الشاهد الآخر غائبا لا يحضر إلا بعد ثلاثة أيام ، وإنما محل القولين إذا كان قريبا ، والمذهب ما سبق .
فرع
قال البغوي : إذا حال القاضي بين العبد وسيده ، أو انتزع العين المدعاة بعد شهادة الشاهدين وقبل التزكية ، لم ينفذ تصرف المتداعيين فيه ، لكن لو أقر أحدهما بالموقوف لآخر أو أوصى به أو دبره أو أعتقه ، انتظرنا ما يستقر عليه الأمر آخرا ، وحكى القاضي أبو سعد وجهين في نفوذ تصرفه ، وصوره فيما إذا حجر القاضي على المشهود عليه في المشهود به ، فإن أراد بالحجر الحيلولة ، حصل الخلاف ، وإن أراد التلفظ بالحجر أشعر ذلك باشتراط الحجر القولي في امتناع التصرف ، قال : وإذا قامت البينة ، وحصل التعديل ، والقاضي ينظر في وجه الحكم ، فينبغي أن يحجر عليه في مدة النظر ، فإن حجر لم ينفذ تصرفه ، قال البغوي : وقبل الحيلولة والانتزاع لا ينفذ تصرف المدعي ، وينفذ تصرف المدعى عليه ، إن قلنا : إن طلب المدعي شرط في الوقف ، وإلا فوجهان .
[ ص: 259 ] فرع
الثمرة والغلة الحادثان بعد شهادة الشاهدين وقبل التعديل تكون للمدعي وبين شهادة الأول و ( شهادة ) الثاني لا يكون للمدعي إلا إذا أرخ الثاني ما شهد به بيوم الأول أولا أو بما قبله ، فإن استخدم السيد العبد المدعي للعتق بين شهادة الأول والثاني على قولنا لا يحال بينهما وشهد الثاني هكذا لزمه أجرة المثل ، وبالله التوفيق .