الأدب الثالث : ، أما الكتاب فللحاجة إلى كتابة المحاضر والسجلات ، والكتب الحكمية ؛ لأن القاضي لا يتفرغ لها غالبا . يرتب القاضي بعد المذكورات أمر الكتاب والمزكين والمترجمين
أن يكون عارفا بما يكتبه من المحاضر وغيرها ، وأن يكون مسلما عدلا . وفي " المهذب " وجه أن الإسلام والعدالة ليسا بشرط بل مستحبان ؛ لأن القاضي لا يمضي ما كتبه حتى يقف عليه ، وليس بشيء . ويستحب أن يكون فقيها وافر العقل ، عفيفا عن الأطماع ، جيد الخط ، [ ص: 136 ] ضابطا للحروف ، وأن يجلسه القاضي بين يديه ليملي عليه ، ويشاهد ما يكتبه . ويشترط في الكاتب
وأما المزكون فسيأتي فيهم فصل مفرد إن شاء الله تعالى . وأما المترجمون ، فللحاجة إلى معرفة كلام من لا يعرف القاضي لغته من خصم أو شاهد ، التكليف والحرية والعدالة ؛ لأنه ينقل إلى القاضي قولا لا يعرفه ، فأشبه الشاهد والمزكي بخلاف الكاتب ، ولهذه العلة شرطنا العدد فيه وفي المزكي . ويشترط في المترجم
قال الأصحاب : فإن كان الحق مما يثبت برجل وامرأتين ، قبلت الترجمة من رجلين أو من رجل وامرأتين ، وانفرد الإمام باشتراط رجلين ، واختاره البغوي لنفسه . وأما النكاح والعتق وسائر ما لا يثبت إلا برجلين ، فيشترط في ترجمته رجلان ، وفي ؟ قولان كالشهادة على الإقرار بالزنا ، وقيل : يكفي رجلان قطعا ، ولو كان الزنا هل يكفي رجلان أم يشترط أربعة ؟ قولان كشهود الفرع ، وبالأول قطع الشاهدان أعجميين فهل يكفي لهما مترجمان أم يشترط لكل مترجمان العبادي في " الرقم " ، ويجوز أن يكون المترجم أعمى على الأصح ؛ لأنه يفسر اللفظ ، ولا يحتاج إلى معاينة وإشارة بخلاف الشهادة ، وإذا فثلاثة أوجه أصحها : يشترط العدد كالمترجم ، والثاني : لا ؛ لأن المسمع لو غير أنكر عليه الخصم ، والحاضرون بخلاف المترجم . كان بالقاضي صمم واحتاج إلى من يسمعه
والثالث : إن كان الخصمان أصمين ، اشترط ؛ لأن غيرهما لا يعتني اعتناءهما ، وإن كانا سميعين ، فلا . فأما إسماع الخصم ما يقوله القاضي ، وما يقوله الخصم ، فحكى الروياني عن القفال ، أنه لا يشترط فيه العدد ، وإذا شرطنا العدد . اشترط لفظ الشهادة على الأصح ، فيقول : أشهد أنه يقول كذا ، ومن منع ، قال : ليست بشهادة محققة ، وإذا لم يشترط العدد ، اشترطت الحرية على الأصح ، كهلال رمضان ، [ ص: 137 ] ولا يسلك به مسلك الروايات وليجري الخلاف في لفظ الشهادة والحرية مع بعده من المترجم ، ويشبه أن يكون الاكتفاء بإسماع رجل وامرأتين في المال على ما ذكرنا في المترجم .
فرع
إذا ، فله أن يأخذ رزقا من بيت المال ليتفرغ للقضاء ، وإن وجدها وتعين عليه ، لم يجز أخذ شيء ، وإلا فيجوز . ويستحب ترك الأخذ ، ولا يجوز عقد الإجارة على القضاء ، وفي فتاوى القاضي لم يجد القاضي كفاية حسين وجه أنه يجوز ، والمذهب : الأول وبه قطع الجمهور ، وينبغي ، فإن لم يكن في بيت المال شيء أو احتيج إليه لما هو أهم ، فإن أتى المدعي بورقة تثبت فيها خصومته وشهادة الشهود ، وبأجرة الكاتب ، فذاك ، وإلا فلا يجبر عليه ، لكن يعلمه القاضي أنه إذا لم يثبت ما جرى ، فقد تنسى شهادة الشهود وحكم نفسه . وليكن رزق القاضي بقدر كفايته وكفاية عياله على ما يليق بحالهم من النفقة والكسوة وغيرهما ، وكذا الإمام يأخذ لنفسه ما يليق به من الخيل والغلمان ، والدار الواسعة ، ولا يلزمه الاقتصار على ما اقتصر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - لأنه قد بعد العهد بزمن النبوة التي كانت سبب النصر وإلقاء الرعب والهيبة في القلوب ، فلو اقتصر الإمام اليوم على ذلك ، لم يطع ، وتعطلت الأمور . ولو رزق الإمام القاضي من مال نفسه ، أو رزقه أهل ولايته ، أو واحد منهم فالذي خرجه صاحب " التلخيص " أنه لا يجوز له قبوله ، وقد سبق في الأذان أنه يجوز أن يكون للإمام أن يجعل من بيت المال شيئا مع رزق القاضي لثمن ورق المحاضر والسجلات ، ولأجرة الكاتب [ ص: 138 ] من مال الإمام ، أو أحد الرعية ، ويجوز أن يفرق بأن ذلك لا يورث تهمة وميلا في المؤذن بخلاف القاضي ، وكما يرزق الإمام القاضي من رزق المؤذن كالأمير والمفتي والمحتسب ، وإمام الصلاة والمؤذن ، ومن يعلم الناس القرآن ، ومن يقيم الحدود ، والقاسم ، وكاتب الصكوك ، فإن لم يكن في بيت المال شيء ، لم يعين قاسما ولا كاتبا لئلا يغالي بالأجرة وألحق بهؤلاء المقوم ، وفي المترجم وجهان ، أصحهما : يرزق من بيت المال كهؤلاء ، والثاني : لا ، كالوكيل . قاله بيت المال يرزق أيضا من يرجع مصلحة عمله إلى عامة المسلمين ابن القاص وأبو زيد ، وعلى هذا ، والمسمع كالمترجم ، ففي مؤنته الوجهان ، وهما جاريان في المزكي ، والقول في الشاهد يأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى . فمؤنة ما يترجم به للمدعى عليه على المدعى عليه