الطرف الثاني في أحكامه
وفيه قاعدتان : إحداهما : قولان ، أظهرهما : الأول ، ثم قيل : القولان فيما إذا أخرجا العوض جميعا ، أما إذا أخرجه أحدهما أو غيرهما ، فجائز قطعا ، والمذهب : طرد القولين في الحالين ، قال هل عقد المسابقة لازم كالإجارة أم جائز كالجعالة ؟ الشيخ أبو محمد والأئمة : القولان فيمن التزم المال ، فأما من لم يلتزم شيئا ، فجائز في حقه قطعا ، وقد يكون العقد جائزا من جانب لازما من جانب ، كالرهن والكتابة ، وقيل بطردهما فيمن لم يلتزم لأنه قد يقصد بمعاقدته تعلم الفروسية والرمي فيكون كالأجير ، والمذهب يخصصهما بالملتزم ، فإن قلنا بالجواز فلكل واحد ترك العمل قبل الشروع فيه ، وكذا بعده إن لم يكن لأحدهما فضل على الآخر ، وكذا إن كان على الأصح ، لأنه عقد جائز ، وعلى هذا القول تجوز الزيادة والنقص في العمل ، وفي المال بالتراضي ، وإذا بذل أحدهما المال لا يشرط من صاحبه القبول على الصحيح ، قال الإمام : وأجرى الأصحاب هذين الوجهين في الجعالة المتعلقة بمعين ، بأن يقول : إن أردت عبدي فلك كذا ، وفي ضمان السبق قبل تمام العمل والرهن به الخلاف السابق في ضمان الجعل والرهن به قبل تمام العلم ، وقيل : إن لم يصح الضمان ، لم يصح الرهن وإلا فوجهان ، لأن الضمان أوسع بابا ، ولذلك يجوز ضمان الدرك دون الرهن به ، وأما إذا قلنا باللزوم ، فليس لأحدهما فسخ العقد دون الآخر ، فإن ظهر بالعوض المعين عيب ، ثبت حق [ ص: 362 ] الفسخ ، وليس لأحدهما أن يترك العمل إن كان مفضولا أو فاضلا وأمكن أن يدركه صاحبه ويسبقه ، وإلا فله الترك ، لأنه ترك حق نفسه ، ولا يجوز لهما الزيادة في العمل والمال ولا النقص منه إلا أن يفسخا العقد الأول ، ويستأنفا عقدا ، وإذا سبق أحدهما اشترط قبول الآخر بالقول ، ولا يكلف المسبق البداءة بتسليم المال على المذهب بخلاف الأجرة ، لأن في المسابقة خطرا ، فيبدأ بالعمل ، ويجوز ضمان السبق والرهن به على هذا القول على المذهب ، وقال القفال : قولان كضمان ما لم يجب ، وجرى سبب وجوبه ، فأما بعد الفراغ من العمل فيجوز ضمان السبق والرهن به على القولين ، وإن كان السبق عينا ، لزم المسبق تسليمها ، فإن امتنع ، أجبره الحاكم وحبسه عليه ، ولو تلفت في يده بعد الفراغ من العمل ، لزمه الضمان كالمبيع إذا تلف في يده قبل التسليم ، ولو تلفت في يده قبل العمل ، انفسخ العقد ، ولو غاب لمرض ونحوه ، فلم ينفسخ العقد ، بل ينتظر زواله .
فرع
، إن قلنا : المسابقة لازمة ، فهو جمع بيع وإجارة في صفقة وفي صحته قولان ، وإن قلنا : جائزة ، لم يصح قطعا لأنه جمع بين جعالة لا تلزم ، وبيع يلزم في صفقة ، وذلك ممتنع . اشترى ثوبا وعقد المسابقة بعشرة
القاعدة الثانية : إذا ، فالمذهب أنه يستحق أجرة المثل ، وبه قطع الأكثرون كالإجارة والقراض الفاسدين ، وقيل : لا يستحق شيئا ، لأنه لم يعمل لغيره شيئا ، وفائدة عمله تعود إليه بخلاف الإجارة والجعالة الفاسدتين ، وقيل : إن كان الفساد لخلل في العوض وأمكن تقويمه بأن كان مغصوبا ، وجبت قيمته ، وإذا قلنا بالمذهب ، ففي كيفية [ ص: 363 ] اعتبار أجرة المثل وجهان ، قال فسدت المسابقة ، وركض المتسابقان ، وسبق من لو صحت ، استحق السبق ابن سلمة : هي أجرة مثل الزمن الذي اشتغل بالرمي فيه ، وأصحهما : قول أبي إسحاق : يجب ما يتسابق بمثله في مثل تلك المسابقة غالبا .