الضرب الثاني : ، فإذا وطئ الكفار بلدة للمسلمين ، أو أطلوا عليها ، ونزلوا بابها قاصدين ، ولم يدخلوا ، صار الجهاد فرض عين على التفصيل الذي نبينه إن شاء الله تعالى . وعن الجهاد الذي هو فرض عين وغيره أنه يبقى فرض كفاية ، والصحيح الأول ، فيتعين على أهل تلك البلدة الدفع بما أمكنهم ، وللدفع مرتبتان . ابن أبي هريرة
إحداهما : أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم واستعدادهم للحرب ، فعلى كل واحد من الأغنياء والفقراء التأهب بما يقدر عليه ، وإذا لم يمكنهم المقاومة إلا بموافقة العبيد ، وجب على العبيد الموافقة ، فينحل الحجر عن العبيد حتى لا يراجعوا السادات ، وإن أمكنهم المقاومة من غير موافقة العبيد ، فوجهان ، أصحهما : أن الحكم كذلك ، لتقوى القلوب ، وتعظم الشوكة ، وتشتد النكاية ، والثاني : لا ينحل الحجر عنهم للاستغناء عنهم . والنسوة إن لم تكن فيهن قوة دفاع لا يحضرن ، وإن كان فعلى ما ذكرنا في العبيد ، ويجوز أن لا يحوج المزوجة إلى إذن الزوج ، كما لا يحوج إلى إذن السيد ، ولا يجب في هذا النوع استئذان الوالدين وصاحب الدين .
المرتبة الثانية : أن يتغشاهم الكفار ، ولا يتمكنوا من اجتماع وتأهب ، فمن وقف عليه كافر ، أو كفار ، وعلم أنه يقتل إن أخذ ، فعليه أن يتحرك ، ويدفع عن نفسه بما أمكن ، يستوي فيه الحر والعبد ، والمرأة والأعمى ، والأعرج ، والمريض ، ولا تكليف على الصبيان والمجانين ، وإن كان يجوز أن يقتل ويؤسر ، ولو امتنع لقتل ، جاز أن [ ص: 215 ] يستسلم ، فإن المكاوحة والحالة هذه استعجال القتل ، والأسر يحتمل الخلاص ، ولو علمت المرأة أنها لو استسلمت امتدت الأيدي إليها ، لزمها الدفع وإن كانت تقتل ؛ لأن من أكره على الزنى لا تحل له المطاوعة لدفع القتل ، فإن كانت لا تقصد بالفاحشة في الحال وإنما يظن ذلك بعد السبي ، فيحتمل أن يجوز لها الاستسلام في الحال ، ثم تدفع حينئذ ، ولو كان في أهل البقعة كثرة ، خرج بعضهم وفيهم كفاية ، ففي تحتم المساعدة على الآخرين وجهان ، أصحهما : الوجوب ؛ لأن الواقعة عظيمة ، وأما غير أهل تلك الناحية ، فمن كان منهم على دون مسافة القصر ، فهو كبعضهم ، حتى إذا لم يكن في أهل البلدة كفاية ، وجب على هؤلاء أن يطيروا إليهم ، وإن كان فيهم كفاية ، ففي وجوب المساعدة عليهم الوجهان ، ومن كان على مسافة القصر ، إن لم يكن في أهل البلدة والذين يلونهم كفاية ، وجب عليهم أن يطيروا إليهم ، فإن طار إليهم من تحصل به الكفاية ، سقط الحرج عن الباقين ، وهذا معنى قول البغوي : ، فالجهاد فرض عين على من قرب ، وفرض كفاية في حق من بعد ، وعلى هذا فحكم أهل الأعذار على ما ذكرناه في الضرب الأول وفيه وجه ، أنه يجب على جميعهم المساعدة والمسارعة ، وليكن هذا في الأقربين ممن هو على مسافة القصر ، وإن كان في أهل البلدة والذين يلونهم كفاية ، فالأصح أنه لا يجب على الذين فوق مسافة القصر المساعدة ؛ لأنه يؤدي إلى إيجاب على جميع الأمة ، وفي ذلك حرج من غير حاجة ، والثاني : يجب على الأقربين فالأقربين بلا ضبط حتى يصل الخبر بأنهم قد دفعوا وأخرجوا ، وليس لأهل البلدة ، ثم الأقربين [ ص: 216 ] فالأقربين إذا قدروا على القتال أن يلبثوا إلى لحوق الآخرين ، ولا يشترط وجود المركوب فيمن دون مسافة القصر ، وفيمن على مسافة القصر فما فوقها وجهان ، أصحهما : الاشتراط ، كالحج ، والثاني : لا ، لشدة الخطب ، ويشترط فيمن فوق مسافة القصر ودونها وجود الزاد على الأصح ، إذ لا استقلال بغير زاد ، ولا معنى لإلزامهم الخروج مع العلم بأنهم سيهلكون ، ولو إذا دخل الكفار دار الإسلام ، ففي نزوله منزلة دخول البلدة وجهان أطلقهما نزل الكفار على خراب ، أو جبل في دار الإسلام بعيد عن الأوطان والبلدان ، والذي نقله الإمام عن الأصحاب أنه ينزل منزلته ؛ لأنه من دار الإسلام ، واختار هو المنع ؛ لأن الدار تشرف بسكن المسلمين ، فإذا لم يكن مسكنا لأحد ، فتكليف المسلمين التهاوي على المتالف بعيد . الغزالي
قلت : هذا الذي اختاره الإمام ليس بشيء ، وكيف يجوز تمكين الكفار من الاستيلاء على دار الإسلام مع إمكان الدفع . والله أعلم .
فرع
لو وجهان ، أحدهما : لا ؛ لأن إزعاج الجنود لواحد بعيد ، وأصحهما : نعم ؛ لأن حرمته أعظم من حرمة الدار ، فعلى هذا لا بد من رعاية النظر ، فإن كانوا على قرب دار الإسلام ، وتوقعنا استخلاص من أسروه لو طرنا إليهم ، فعلنا ، وإن توغلوا في بلاد الكفر ولا يمكن التسارع إليهم ، وقد لا يتأتى خرقها بالجنود ، اضطررنا إلى الانتظار ، كما لو دخل منهم ملك عظيم الشوكة طرف بلاد الإسلام ، لا يتسارع إليه آحاد الطوائف . أسروا مسلما ، أو مسلمين ، فهل هو كدخول دار الإسلام ؟