[ ص: 188 ] كتاب
nindex.php?page=treesubj&link=10787_10788النكاح
وهو في اللغة : التداخل ، تقول أنكحت الأرض البذر ، ونكحت الحصاة خف البعير ، والوطء تداخل ، فسمي نكاحا ، ويطلق على العقد مجازا من باب إطلاق المسبب على السبب ، ويقال : كل نكاح في كتاب الله تعالى فالمراد به العقد إلا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=230حتى تنكح زوجا غيره ) ( البقرة : 230 ) ويطلق على الصداق ; لأنه سبب كالعقد نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ) ( النور : 32 ) أي صداقا ، ويحتمل أن يكون من باب الإضمار أي سبب نكاح لكن المجاز أولى من الإضمار على ما تقرر في الأصول .
قال
اللخمي : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=10793_10791في الشرع أربعة أقسام : واجب غير موسع لمن
[ ص: 189 ] خشي الزنا وعجز عن التسري ، ولا يذهب عنه بالصوم ، وواجب موسع إن كان كذلك ويقدر على التسري ، ويذهب بالصوم ، فهو مخير بينه وبين النكاح ، فإن كان يذهبه الصوم وجب أحد الثلاثة على التخيير ، والزواج أولى لقوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349273يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ) فقدم النكاح على الصوم ، والسراري تنتقل طباعهن للولد .
ومندوب لآمن من الزنا الراغب في النساء ، وهو يولد له . ومباح للمعرض عن النساء ، وهو لا نسل له . وكذلك المرأة إلا في التسري . قال صاحب ( المعلم ) : ومكروه لمن لا يشتهيه ، وينقطع به عن العبادة ، وقال أهل الظاهر بوجوبه لظاهر صيغة الأمر في الحديث ، وفي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ( النساء : 3 ) وغيرها ، ويدل على عدم الوجوب قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) ( النساء : 4 ) فخير بين النكاح وملك اليمين ، وملك اليمين لا يجب إجماعا ، فكذلك النكاح لتعذر التخيير بين الواجب وما ليس واجبا ، وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم )
[ ص: 190 ] ( المؤمنون : 5 ) .
فوائد : في الحديث المتقدم : الباءة : المنزل ، ويقال له : مباءة ، ومبوأ . ولما كان المتزوج يتبوأ بامرأته بيتا سمي النكاح باءة ، وفيه أربع لغات : المد مع التاء ومع حذفها ، وباهة بإبدال الهاء من الهمزة ، والقصر مع الهاء . وقوله : من استطاع منكم . يريد المال الموصل إلى الوطء ، وليس المراد الوطء ، وإلا لفسد قوله : ومن لم يستطع فعليه بالصوم .
واعلم أن الصوم يقطع النكاح غالبا لإضعافه القوة ، وتجفيفه الرطوبة التي تولد المني ، وقد يزيد في النكاح في حق المرطوبين ، فيقربون به من الاعتدال ، فيقوى عندهم بالصوم لكنه قليل في الناس . فرع
النكاح مع قطع النظر على أحوال الناكحين مندوب إليه ، وتركه لنوافل العبادة عندنا وعند ( ش ) أفضل لمن لم تمل إليه نفسه ، وعند ( ح ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل هو أفضل ; لأن العلماء اختلفوا في وجوبه ، فأقل أحواله تقديمه ، ولأنه يوجب إعفاف الزوجين ووجود من يوحد الله تعالى ، ويكاثر به - عليه السلام - فهو متعد لهذه المصالح العظيمة ، والمتعدي أفضل من القاصر ، ولتقديمه له - عليه السلام - على الصوم في الحديث السابق . الجواب عن الأول : أن ذلك الخلاف غير معتد به لضعف مدركه ، وعن الثاني : أن أصل النكاح شهوة النفس ، وشهوة النفس مقتطع عن الرب تعالى ، وإنما هو وسيلة لما ذكروه ، والنوافل قربات في أنفسها متعلقة بالرب تعالى بمعزل عن النفس ، والمقاصد مقدمة على الوسائل ، وعن الثالث : إن تقديم الصوم عليه إنما كان في حق الشباب الذين شأنهم فرط الميل ، وخشية الفساد ، والنزاع إنما هو في غيرهم .
[ ص: 188 ] كِتَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=10787_10788النِّكَاحِ
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ : التَّدَاخُلُ ، تَقُولُ أَنْكَحْتُ الْأَرْضَ الْبَذْرَ ، وَنكَحَتِ الْحَصَاةُ خُفَّ الْبَعِيرِ ، وَالْوَطْءُ تَدَاخُلٌ ، فَسُمِّيَ نِكَاحًا ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ، وَيُقَالُ : كُلُّ نِكَاحٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=230حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) ( الْبَقَرَةِ : 230 ) وَيُطْلَقُ عَلَى الصَّدَاقِ ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ كَالْعَقْدِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ) ( النُّورِ : 32 ) أَيْ صَدَاقًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَيْ سَبَبَ نِكَاحٍ لَكِنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنَ الْإِضْمَارِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ .
قَالَ
اللَّخْمِيُّ : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=10793_10791فِي الشَّرْعِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : وَاجِبٌ غَيْرُ مُوَسَّعٍ لِمَنْ
[ ص: 189 ] خَشِيَ الزِّنَا وَعَجَزَ عَنِ التَّسَرِّي ، وَلَا يَذْهَبُ عَنْهُ بِالصَّوْمِ ، وَوَاجِبٌ مُوَسَّعٌ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَى التَّسَرِّي ، وَيَذْهَبُ بِالصَّوْمِ ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ ، فَإِنْ كَانَ يُذْهِبُهُ الصَّوْمُ وَجَبَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّخْيِيرِ ، وَالزَّوَاجُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349273يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) فَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الصَّوْمِ ، وَالسِّرَارِي تَنْتَقِلُ طِبَاعُهُنَّ لِلْوَلَدِ .
وَمَنْدُوبٌ لِآمِنٍ مِنَ الزِّنَا الرَّاغِبِ فِي النِّسَاءِ ، وَهُوَ يُولَدُ لَهُ . وَمُبَاحٌ لِلْمُعْرِضِ عَنِ النِّسَاءِ ، وَهُوَ لَا نَسْلَ لَهُ . وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إِلَّا فِي التَّسَرِّي . قَالَ صَاحِبُ ( الْمُعْلِمِ ) : وَمَكْرُوهٌ لِمَنْ لَا يَشْتَهِيهِ ، وَيَنْقَطِعُ بِهِ عَنِ الْعِبَادَةِ ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِوُجُوبِهِ لِظَاهِرِ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِي الْحَدِيثِ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ( النِّسَاءِ : 3 ) وَغَيْرِهَا ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) ( النِّسَاءِ : 4 ) فَخَيَّرَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يَجِبُ إِجْمَاعًا ، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لِتَعَذُّرِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ وَاجِبًا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ )
[ ص: 190 ] ( الْمُؤْمِنُونَ : 5 ) .
فَوَائِدُ : فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ : الْبَاءَةُ : الْمَنْزِلُ ، وَيُقَالُ لَهُ : مَبَاءَةٌ ، وَمُبَوَّأٌ . وَلَمَّا كَانَ الْمُتَزَوِّجُ يَتَبَوَّأُ بِامْرَأَتِهِ بَيْتًا سُمِّيَ النِّكَاحُ بَاءَةً ، وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ : الْمَدُّ مَعَ التَّاءِ وَمَعَ حَذْفِهَا ، وَبَاهَةٌ بِإِبْدَالِ الْهَاءِ مِنَ الْهَمْزَةِ ، وَالْقَصْرُ مَعَ الْهَاءِ . وَقَوْلُهُ : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ . يُرِيدُ الْمَالَ الْمُوَصِّلَ إِلَى الْوَطْءِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَطْءَ ، وَإِلَّا لَفَسَدَ قَوْلُهُ : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ النِّكَاحَ غَالِبًا لِإِضْعَافِهِ الْقُوَّةَ ، وَتَجْفِيفِهِ الرُّطُوبَةَ الَّتِي تُوَلِّدُ الْمَنِيَّ ، وَقَدْ يَزِيدُ فِي النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَرْطُوبِينَ ، فَيَقْرُبُونَ بِهِ مِنَ الِاعْتِدَالِ ، فَيَقْوَى عِنْدَهُمْ بِالصَّوْمِ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ . فَرْعٌ
النِّكَاحُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَلَى أَحْوَالِ النَّاكِحِينَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ ، وَتَرْكُهُ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ( ش ) أَفْضَلُ لِمَنْ لَمْ تَمِلْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ ، وَعِنْدَ ( ح ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنِ حَنْبَلٍ هُوَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ تَقْدِيمُهُ ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ إِعْفَافَ الزَّوْجَيْنِ وَوُجُودَ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى ، وَيُكَاثِرُ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ مُتَعَدٍّ لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ الْعَظِيمَةِ ، وَالْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنَ الْقَاصِرِ ، وَلِتَقْدِيمِهِ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الصَّوْمِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ . الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِضَعْفِ مَدْرَكِهِ ، وَعَنِ الثَّانِي : أَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ شَهْوَةُ النَّفْسِ ، وَشَهْوَةُ النَّفْسِ مُقْتَطَعٌ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِمَا ذَكَرُوهُ ، وَالنَّوَافِلُ قُرُبَاتٌ فِي أَنْفُسِهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّبِّ تَعَالَى بِمَعْزِلٍ عَنِ النَّفْسِ ، وَالْمَقَاصِدُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَسَائِلِ ، وَعَنِ الثَّالِثِ : إِنَّ تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ فِي حَقِّ الشَّبَابِ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ فَرْطُ الْمَيْلِ ، وَخَشْيَةُ الْفَسَادِ ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِهِمْ .