ولكن لعنهم الله بكفرهم ، أي : خذلهم وأبعدهم عن الصواب بسبب كفرهم ، أي : مضت سنته في طباع البشر وأخلاقهم أن يمنع الكفر صاحبه من مثل هذه الروية والأدب ، ويجعله طريدا لا يدلي إلى الخير والرحمة بحبل ولا سبب : فلا يؤمنون إلا قليلا من الإيمان لا يعتد به ، إذ لا يصلح عمل صاحبه ولا يزكي نفسه ولا يرقى عقله ، ولو كان إيمانهم بكتابهم ونبيهم كاملا لكان خير هاد لهم إلى الإيمان بمن جاء مصدقا لما معهم من الكتاب ومهيمنا عليه يبين ما نسوا منه وما حرفوا فيه ، ثم إنه جاء بإصلاح جديد في إتمام مكارم الأخلاق ونظام الاجتماع وسائر مقاصد الدين ، فمن كان على شيء من الخير ، وجاءه زيادة فيه لا يكون إلا مغبوطا بها حريصا على الاستفادة منها ـ أو لا يؤمنون إلا قليلا منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ، فإن الأمة مهما فسدت لا يعم الفساد جميع أفرادها ، بل تغلب سلامة الفطرة على أناس يكونون هم السابقين إلى كل إصلاح جديد ، هكذا كان ، وهكذا يكون فهي سنة من سنن الله في الاجتماع ، وقد نبهنا من قبل على دقة القرآن في الحكم على الأمم إذ يحكم على الأكثر ، فإذا عمم الحكم يستثني وهي دقة لم تعهد في كلام البشر .