فجمهور العلماء على تحريم أكل هذه الأشياء ; لأنها مستخبثة طبعا ، والله تعالى يقول : ويحرم عليهم الخبائث .
وممن قال بذلك : ، الشافعي وأبو حنيفة ، وأحمد ، ، وابن شهاب وعروة ، وغيرهم - رحمهم الله تعالى .
ورخص في أكل ذلك : مالك ، واشترط في جواز أكل الحيات أن يؤمن سمها .
وممن روي عنه الترخيص في : أكل الحشرات ، الأوزاعي ، واحتجوا بما رواه وابن أبي ليلى أبو داود ، والبيهقي ، من حديث ملقام بن تلب ، عن أبيه تلب بن ثعلبة بن ربيعة التميمي العنبري - رضي الله عنه - قال : صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أسمع لحشرة الأرض تحريما .
واحتجوا أيضا بأن الله حرم أشياء ، وأباح أشياء ، فما حرم فهو حرام ، وما أباح فهو مباح ، وما سكت عنه فهو عفو .
وقالت عائشة - رضي الله عنها - في : ما هي بحرام ، وقرأت قوله تعالى : الفأرة قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .
ويجاب عن هذا بأن ملقام بن تلب مستور لا يعرف حاله ، وبأن قول أبيه تلب بن ثعلبة - رضي الله عنه - لم أسمع لحشرة الأرض تحريما لا يدل على عدم تحريمها ، كما قاله الخطابي ، والبيهقي ; لأن عدم سماع صحابي لشيء لا يقتضي انتفاءه كما هو معلوم ، وبأنه تعالى لم يسكت عن هذا ; لأنه حرم الخبائث ، وهذه خبائث ، لا يكاد طبع سليم يستسيغها ، فضلا عن أن يستطيبها ، والذين يأكلون مثل هذه الحشرات من العرب ، إنما يدعوهم لذلك شدة الجوع ، كما قال أحد شعرائهم : [ الطويل ]
أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن غريبا لديكم يأكل الحشرات
والربى جمع ربية ، وهي الفأرة ، قاله القرطبي ، وفي " اللسان " أنها دويبة بين الفأرة وأم حبين ، ولتلك الحاجة الشديدة لما سئل بعض العرب عما يأكلون ، قال : كل ما دب [ ص: 536 ] ودرج ، إلا أم حبين ، فقال : لتهن أم حبين العافية .
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح قتل الفأرة ، وما ذكر معها من الفواسق ، فدل ذلك على عدم إباحتها .
واعلم أن ما ذكره بعض أهل العلم ، ، من أن كل ما يستخبثه الطبع السليم من العرب الذين نزل القرآن عليهم في غير حال ضرورة الجوع حرام ; لقوله تعالى : كالشافعي ويحرم عليهم الخبائث الآية ، استدلال ظاهر ، لا وجه لما رده به أهل الظاهر من أن ذلك أمر لا يمكن أن يناط به حكم ; لأنه لا ينضبط ; لأن معنى الخبث معروف عندهم ، فما اتصف به فهو حرام ، للآية .
ولا يقدح في ذلك النص على إباحة بعض المستخبثات ، كالثوم ; لأن ما أخرجه الدليل يخصص به عموم النص ، ويبقى حجة فيما لم يخرجه دليل ، كما قدمنا .
ويدخل فيه أيضا كل ما نص الشرع على أنه خبيث ، إلا لدليل يدل على إباحته ، مع إطلاق اسم الخبث عليه .
واستثنى بعض أهل العلم من حشرات الأرض الوزغ ، فقد ادعى بعضهم الإجماع على تحريمه ، كما ذكره في " المغني " عن ابن قدامة . ابن عبد البر
قال مقيده - عفا الله عنه : ويدل له حديث المتفق عليه : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الأوزاغ ، وكذلك روى الشيخان أيضا عن حديث أم شريك - رضي الله عنه - موصولا عند سعد بن أبي وقاص مسلم ، ومحتملا للإرسال عند ، فإن قوله : وزعم البخاري أنه أمر بقتله ، محتمل لأن يكون من قول سعد بن أبي وقاص عائشة ، ومحتمل لأن يكون من قول عروة ; وعليهما فالحديث متصل ، ويحتمل أن يكون من قول ; فيكون منقطعا ، واختاره الزهري ابن حجر في " الفتح " ، وقال : كأن وصله الزهري لمعمر ، وأرسله ليونس . اهـ ، ومن طريق يونس رواه ، ومن طريق البخاري معمر رواه مسلم ، وروى مسلم في " صحيحه " من حديث مرفوعا : الترغيب في أبي هريرة ، وكل ذلك يدل على تحريمه . قتل الوزغ