الحلال : مقابل الحرام ومقابل المحرم . يقال شيء حلال : أي سائغ الانتفاع به ، وشيء حرام : ممنوع منه ، ورجل حلال : أي ليس بمحرم . قيل : وسمي حلالا ; لانحلال عقد المنع منه ، والفعل منه حتى يحل ، بكسر الحاء في المضارع ، على قياس الفعل المضاعف اللازم . ويقال : هذا حل ، أي حلال ، ويقال : حل بل على سبيل التوكيد ، وحل بالمكان : نزل به ، ومضارعه جاء بضم الحاء وكسرها ، وحل عليه الدين : حان وقت أدائه . الخطوة ، بضم الخاء : ما بين قدمي الماشي من الأرض ، والخطوة ، بفتحها : المرة من المصدر . يقال : خطا يخط خطوا : مشى . ويقال : هو واسع الخطو . فالخطوة بالضم ، عبارة عن المسافة التي يخطو فيها ، كالغرفة والقبضة ، وهما عبارتان عن الشيء المعروف والمقبوض ، وفي جمعها بالألف والياء لغى ثلاث : إسكان الطاء كحالها في المفرد ، وهي لغة تميم وناس من قيس ، وضمة الطاء اتباعا لضمة الخاء ، وفتح الطاء . ويجمع تكسيرا على خطى ، وهو قياس مطرد في فعلة الاسم . الفحشاء : مصدر كالبأساء ، وهو فعلاء من الفحش ، وهو قبح المنظر ، ومنه قول امرئ القيس :
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل
ثم توسع فيه حتى صار يستعمل فيما يستقبح من المعاني . ألفى : وجد ، وفي تعديها إلى مفعولين خلاف ، ومن منع جعل الثاني حالا ، والأصح كونه مفعولا لمجيئه معرفة ، وتأويله على زيادة الألف واللام على خلاف الأصل . النعيق : دعاء الراعي وتصويته بالغنم ، قال الشاعر :
فانعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا
ويقال : نعق المؤذن ، ويقال : نعق ينعق نعيقا ونعاقا ونعقا ، وأما نغق الغراب ، فبالغين المعجمة . وقيل أيضا : يقال بالمهملة في الغراب . النداء : مصدر نادى ، كالقتال مصدر قاتل ، وهو بكسر النون ، وقد تضم . قيل : وهو مرادف للدعاء ، وقيل : مختص بالجهر ، وقيل : بالبعد ، وقيل : بغير المعين . ويقال : فلان أندى صوتا من فلان ، أي أقوى وأشد وأبعد مذهبا . اللحم : معروف . يقال : لحم الرجل لحامة ، فهو لحيم : ضخم . ولحم يلحم ، فهو لحم : اشتاق إلى اللحم . ولحم الناس يلحمهم : أطعمهم اللحم ، فهو لاحم . وألحم ، فهو ملحم : كثر عنده اللحم . الخنزير : حيوان معروف ، ونونه أصلية ، فهو فعليل . وزعم بعضهم أن نونه زائدة ، وأنه مشتق من خزر العين ; لأنه كذلك ينظر . يقال : تخازر الرجل : ضيق جفنه ليحدد النظر ، والخزر : ضيق العين وصغرها ، ويقال : رجل أخزر : بين الخزر . وقيل : هو النظر بمؤخر العين ، فيكون كالتشوش . الإهلال : رفع الصوت ، ومنه الإهلال بالتلبية ، ومنه سمي الهلال لارتفاع الصوت [ ص: 478 ] عند رؤيته ، ويقال : أهل الهلال واستهل ، ويقال : أهل بكذا : رفع صوته . قال : ابن أحمر
يهل بالفدفد ركباننا كما يهل الراكب المعتمر
وقال النابغة :
أو درة صدفية غواصها بهج متى تره يهل ويسجد
ومنه : إهلال الصبي واستهلاله ، وهو صياحه عند ولادته . وقال الشاعر :
يضحك الذئب لقتلى هذيل وترى الذئب لها يستهل
البطن : معروف ، وجمعه على فعول قياس ، ويجمع أيضا على بطنان ، ويقال : بطن الأمر يبطن ، إذا خفي . وبطن الرجل ، فهو بطين : كبر بطنه . والبطنة : امتلاء البطن بالطعام . ويقال : البطنة تذهب الفطنة .
( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) : هذا ثاني نداء وقع في سورة البقرة بقوله : " يا أيها الناس " ، ولفظه عام . قال الحسن : نزلت في كل من حرم على نفسه شيئا لم يحرمه الله عليه . وروى الكلبي ومقاتل وغيرهما : أنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني الحارث بن كعب ، قاله النقاش . وقيل : في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة . قيل : وبني مدلج ، حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام ، وحرموا البحيرة والسوائب والوصيلة والحام . فإن صح هذا ، كان السبب خاصا واللفظ عاما ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ( ومناسبة هذا لما قبله ) ، أنه لما بين التوحيد ودلائله ، وما للتائبين والعاصين ، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الكافر والمؤمن ، ليدل أن الكفر لا يؤثر في قطع الإنعام . وقال المروزي : لما حذر المؤمنين من حال من يصير عمله عليه حسرة ، أمرهم بأكل الحلال ; لأن مدار الطاعة عليه . " كلوا " : أمر إباحة وتسويغ ; لأنه تعالى هو الموجد للأشياء ، فهو المتصرف فيها على ما يريد .
" مما في الأرض " من : تبعيضية ، وما : موصولة ، ومن : في موضع المفعول ، نحو : أكلت من الرغيف ، و " حلالا " : حال من الضمير المستقر في الصلة المنتقل من العامل فيها إليه . وقال : " حلالا " : نعت لمفعول محذوف تقديره " شيئا حلالا " ، قال مكي بن أبي طالب ابن عطية : وهذا بعيد ولم يبين وجه بعده ، وبعده أنه مما حذف الموصوف ، وصفته غير خاصة ; لأن الحلال يتصف به المأكول وغير المأكول . وإذا كانت الصفة هكذا ، لم يجز حذف الموصوف وإقامتها مقامه . وأجاز قوم أن ينتصب حلالا على أنه مفعول " بكلوا " ، وبه ابتدأ . ويكون على هذا الوجه " من " لابتداء الغاية متعلقة بكلوا ، أو متعلقة بمحذوف ، فيكون حالا ، والتقدير : كلوا حلالا مما في الأرض . فلما قدمت الصفة صارت حالا ، فتعلقت بمحذوف ، كما كانت صفة تتعلق بمحذوف . وقال الزمخشري ابن عطية : مقصد الكلام لا يعطي أن تكون حلالا مفعولا بكلوا ، تأمل . انتهى .
" طيبا " : انتصب صفة لقوله : " حلالا " ، إما مؤكدة ; لأن معناه ومعنى " حلالا " واحد ، وهو قول مالك وغيره ، وإما مخصصة ; لأن معناه مغاير لمعنى الحلال وهو المستلذ ، وهو قول وغيره . ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر وكل ما هو خبيث . وقيل : انتصب طيبا على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا طيبا ، وهو خلاف الظاهر . وقال الشافعي ابن عطية : ويصح أن يكون طيبا حالا من الضمير في كلوا تقديره : مستطيبين ، وهذا فاسد في اللفظ والمعنى . أما اللفظ فلأن طيبا اسم فاعل وليس بمطابق للضمير ; لأن الضمير جمع ، وطيب مفرد ، وليس طيب بمصدر ، فيقال : لا يلزم المطابقة . وأما المعنى : فلأن طيبا مغاير لمعنى مستطيبين ; لأن الطيب من صفات المأكول ، والمستطيب من صفات الآكل . تقول : طاب لزيد الطعام ، ولا تقول : طاب زيد الطعام ، في معنى استطابه . وقال في قوله : " طيبا " : طاهرا من كل شبهة . وقال الزمخشري السجاوندي : " حلالا " مطلق الشرع ، " طيبا " مستلذ الطبع . وقال في [ ص: 479 ] المنتخب ما ملخصه : الحلال : الذي انحلت عنه عقدة الخطر ، إما لكونه حراما لجنسه كالميتة ، وإما لا لجنسه كملك الغير ، إذ لم يأذن في أكله . والطيب لغة الطاهر ، والحلال يوصف بأنه طيب ، كما أن الحرام يوصف بأنه خبيث ، والأصل في الطيب ما يستلذ ، ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه ; لأن النجس تكرهه النفس ، والحرام لا يستلذ ; لأن الشرع منع منه . انتهى . والثابت في اللغة : أن الطيب هو الطاهر من الدنس . قال :
والطيبون معاقد الأزر
:وقال آخر :
ولي الأصل الذي في مثله يصلح الآبر زرع المؤتبر
طيبو الباءة سهل ولهم سبل إن شئت في وحش وعر
( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) وقرأ ابن عامر والكسائي وقنبل وحفص وعباس ، عن أبي عمرو والبرجمي ، عن أبي بكر : بضم الخاء والطاء وبالواو . وقرأ باقي السبعة : بضم الخاء وإسكان الطاء وبالواو . وقرأ أبو السمال : خطوات ، بضم الخاء وفتح الطاء وبالواو . وقد تقدم أن هذه لغى ثلاث في جمع خطوة . ونقل ابن عطية والسجاوندي أن أبا السمال قرأ : خطوات ، بفتح الخاء والطاء وبالواو ، جمع خطوة ، وهي المرة من الخطو . وقرأ علي وقتادة والأعمش وسلام : خطؤات ، بضم الخاء والطاء والهمزة ، واختلف في توجيه هذه القراءة ، فقيل : الهمزة أصل ، وهو من الخطأ جمع خطأة ، إن كان سمع ، وإلا فتقديرا . وممن قال إنه من الخطأ ، وفسره أبو الحسن الأخفش مجاهد خطاياه ، وتفسيره يحتمل أن يكون فسر بالمرادف ، أو فسر بالمعنى . وقيل : هو جمع خطوة ، لكنه توهم ضمة الطاء أنها على الواو فهمز ; لأن مثل ذلك قد يهمز . قال معناه : والنهي عن اتباع خطوات الشيطان كناية عن ترك الاقتداء به ، وعن اتباع ما سن من المعاصي . يقال : اتبع زيد خطوات عمرو ووطئ على عقبيه ، إذ سلك مسلكه في أحواله . قال الزمخشري : خطواته أعماله . وقال ابن عباس مجاهد : خطاياه . وقال : طاعته . وقال السدي أبو مجلز : النذور في المعاصي . وقيل : ما ينقلهم إليه من معصية إلى معصية ، حتى يستوعبوا جميع المعاصي ، مأخوذ من خطو القدم من مكان إلى مكان . وقال الزجاج وابن قتيبة : طرقه . وقال أبو عبيدة : محقرات الذنوب . وقال المؤرخ آثاره ، وقال عطاء : زلاته ، وهذه أقوال متقاربة المعنى صدرت من قائلها على سبيل التمثيل . والمعنى بها كلها النهي عن معصية الله ، وكأنه تعالى لما أباح لهم الأكل من الحلال الطيب ، نهاهم عن معاصي الله وعن التخطي إلى أكل الحرام ; لأن الشيطان يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة ، فيزين بذلك ما لا يحل ، فزجر الله عن ذلك . والشيطان هنا إبليس ، والنهي هنا عن اتباع كل فرد فرد من المعاصي ، لا أن ذلك يفيد الجمع ، فلا يكون نهيا عن المفرد .
( إنه لكم عدو مبين ) : تعليل لسبب هذا التحذير من اتباع الشيطان ; لأن من ظهرت عداوته واستبانت ، فهو جدير بأن لا يتبع في شيء وأن يفر منه ، فإنه ليس له فكر إلا في إرداء عدوه .