[ ص: 390 ] فصل في ذكر شيء من خطبه
قال الواقدي : حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، عن أبيه أن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن أول كل مركب صعب ، وإن بعد اليوم أياما ، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها ، وما كنا خطباء ، وسيعلمنا الله .
وقال الحسن : خطب عثمان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس اتقوا الله فإن تقوى الله غنم ، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر ، وليخش عبد أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيرا ، وقد يكفيني الحكيم جوامع الكلم ، والأصم ينادى من مكان بعيد ، واعلموا أن من كان الله معه لم يخف شيئا ، ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده ؟
وقال مجاهد : خطب عثمان فقال : ابن آدم ، اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا ، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك ، فخذ حذرك واستعد له ، ولا تغفل فإنه لا يغفل عنك ، واعلم [ ص: 391 ] ابن آدم ، إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها ، لم يستعد لها غيرك ، ولا بد من لقاء الله ، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك . والسلام .
وقال سيف بن عمر ، عن بدر بن عثمان ، عن عمه قال : آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة : إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ، ولم يعطكموها لتركنوا إليها ، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى ، لا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى ، فإن الدنيا منقطعة ، وإن المصير إلى الله ، اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه ، ووسيلة عنده ، واحذروا من الله الغير ، والزموا جماعتكم ، لا تصيروا أحزابا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا إلى آخر الآيتين [ آل عمران : 103 ، 104 ] .