[ ص: 261 ] ثم دخلت سنة أربع وثلاثين
قال
أبو معشر : فيها كانت غزوة الصواري . والصحيح في قول غيره أنها كانت قبل ذلك ، كما تقدم .
وفي هذه السنة
nindex.php?page=treesubj&link=33710_33711تكاتب المنحرفون عن طاعة عثمان ، رضي الله عنه ، وكان جمهورهم من
أهل الكوفة - وهم في معاملة
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بحمص منفيون عن
الكوفة - وثاروا على
سعيد بن العاص أمير
الكوفة ، وتألبوا عليه ونالوا منه ومن
عثمان ، وبعثوا إلى
عثمان من يناظره فيما فعل ، وفيما اعتمد من عزل كثير من الصحابة وتولية جماعة من بني أمية من أقربائه ، وأغلظوا له في القول ، وطلبوا منه أن يعزل عماله ويستبدل بهم غيرهم من السابقين ومن الصحابة ، حتى شق ذلك عليه جدا وبعث إلى أمراء الأجناد ، فأحضرهم عنده ليستشيرهم ، فاجتمع إليه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان أمير
الشام ، nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص أمير
مصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16436وعبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير
المغرب ، nindex.php?page=showalam&ids=74وسعيد بن العاص أمير
الكوفة ، nindex.php?page=showalam&ids=4891وعبد الله بن عامر أمير
البصرة ، فاستشارهم فيما حدث من الأمر وافتراق الكلمة ، فأشار
عبد الله بن عامر أن يشغلهم بالغزو عما هم فيه من الشر فلا يكون هم أحدهم إلا نفسه وما هو فيه من دبرة دابته ، وقمل
[ ص: 262 ] فروته ، فإن غوغاء الناس إذا تفرغوا وبطلوا ، اشتغلوا بما لا يغني ، وتكلموا فيما لا يرضي ، وإذا تفرقوا نفعوا أنفسهم وغيرهم . وأشار
سعيد بن العاص بأن يستأصل شأفة المفسدين ، ويقطع دابرهم . وأشار
معاوية بأن يرد عماله إلى أقاليمهم ، وأن لا يلتفت إلى هؤلاء وما تألبوا عليه من الشر ، فإنهم أقل وأضعف جندا . وأشار
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح بأن يتألفهم بالمال فيعطيهم منه ما يكف به شرهم ، ويأمن غائلتهم ، ويعطف به قلوبهم إليه . وأما
عمرو بن العاص فقام فقال : أما بعد يا
عثمان ، فإنك قد ركبت الناس ما يكرهون ، فإما أن تعزل عنهم ما يكرهون ، وإما أن تقدم فتنزل عمالك عما هم عليه . وقال له كلاما فيه غلظة ، ثم اعتذر إليه في السر بأنه إنما قال هذا ليبلغ عنه من كان حاضرا من الناس إليهم ليرضوا من
عثمان بهذا ، فعند ذلك قرر
عثمان عماله على ما كانوا عليه ، وتألف قلوب أولئك بالمال ، وأمر بأن يبعثوا في الغزو إلى الثغور ، فجمع بين المصالح كلها ، ولما رجعت العمال إلى أقاليمها امتنع
أهل الكوفة من أن يدخل عليهم
سعيد بن العاص ، ولبسوا السلاح وحلفوا أن لا يمكنوه من الدخول عليهم حتى يعزله
عثمان ويولي عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري ، وكان اجتماعهم بمكان يقال له :
الجرعة . وقد قال يومئذ
nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي والله لا يدخلها علينا ما حملنا سيوفنا . وتواقف الناس
بالجرعة ، وأحجم
سعيد عن قتالهم وصمموا
[ ص: 263 ] على منعه . وقد اجتمع في مسجد
الكوفة في هذا اليوم
حذيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=91وأبو مسعود عقبة بن عمرو ، فجعل
أبو مسعود يقول : والله لا يرجع
سعيد بن العاص حتى يكون دماء . فجعل
حذيفة يقول : والله ليرجعن ولا يكون فيها محجمة من دم ، وما أعلم اليوم شيئا إلا وقد علمته
ومحمد ، صلى الله عليه وسلم ، حي . والمقصود أن
سعيد بن العاص كر راجعا إلى
المدينة وكسر الفتنة ، فأعجب ذلك
أهل الكوفة ، وكتبوا إلى
عثمان أن يولي عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري ، فأجابهم
عثمان إلى ما سألوا ؛ إزاحة لعذرهم ، وإزالة لشبههم ، وقطعا لعللهم .
وذكر
سيف بن عمر أن سبب
nindex.php?page=treesubj&link=33711_31276تألب الأحزاب على عثمان أن رجلا يقال له :
عبد الله بن سبأ . كان يهوديا فأظهر الإسلام وصار إلى
مصر ، فأوحى إلى طائفة من الناس كلاما اخترعه من عند نفسه مضمونه أنه يقول للرجل : أليس قد ثبت أن
عيسى ابن مريم سيعود إلى هذه الدنيا ؟ فيقول الرجل : بلى ! فيقول له : فرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا وهو أشرف من
عيسى ابن مريم عليه السلام ! ثم يقول : وقد كان أوصى إلى
علي بن أبي طالب ؛ فمحمد خاتم الأنبياء ،
وعلي خاتم الأوصياء . ثم يقول : فهو أحق بالإمرة من
عثمان ، وعثمان معتد في ولايته ما ليس له . فأنكروا عليه وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فافتتن به بشر كثير من
أهل مصر ، وكتبوا إلى جماعات من عوام أهل
الكوفة والبصرة ؛ فتمالئوا على ذلك ، وتكاتبوا فيه ، وتواعدوا أن يجتمعوا في الإنكار على
عثمان ، وأرسلوا إليه من يناظره ويذكر له
[ ص: 264 ] ما ينقمون عليه من توليته أقرباءه وذوي رحمه وعزله كبار الصحابة . فدخل هذا في قلوب كثير من الناس فجمع
عثمان بن عفان نوابه من الأمصار ، فاستشارهم فأشاروا عليه بما تقدم ذكرنا له . والله أعلم .
وقال
الواقدي فيما رواه عن
عبد الله بن محمد عن أبيه قال : لما كانت سنة أربع وثلاثين كثر الناس على
عثمان ، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد ، فكلم الناس
علي بن أبي طالب أن يدخل على
عثمان ، فدخل عليه فقال له : إن الناس ورائي وقد كلموني فيك ، ووالله ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وما خصصنا بأمور عنك ، وقد رأيت وسمعت
nindex.php?page=treesubj&link=31271_31273وصحبت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ونلت صهره وما
ابن أبي قحافة بأولى بعمل ألحق منك ، ولا
ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ، وإنك أقرب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، رحما ، ولقد نلت من صهر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ما لم ينالا ، ولا سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنك والله ما تبصر من عمى ، ولا تعلم من جهل ، وإن الطريق لواضح بين ، وإن أعلام الدين لقائمة ، تعلم يا
عثمان أن
nindex.php?page=treesubj&link=19829_30302أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة معلومة ، فوالله إن كلا لبين ، وإن السنن لقائمة لها أعلام ، وإن البدع
[ ص: 265 ] لقائمة لها أعلام ، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ، ضل وضل به ، فأمات سنة معلومة ، وأحيا بدعة متروكة ، وإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول :
يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحا ثم يرتطم في غمرة جهنم . وإني أحذرك الله وأحذرك سطوته ونقمته ، فإن عذابه شديد أليم ، واحذر أن تكون إمام هذه الأمة المقتول ، فإنه كان يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=31276يقتل في هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، وتلبس أمورها عليها ، ويتركون شيعا لا يبصرون الحق من الباطل ، يموجون فيها موجا ، ويمرجون فيها مرجا . فقال
عثمان : قد والله علمت لتقولن الذي قلت ، أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ، ولا عبت عليك ، ولا جئت منكرا أن وصلت رحما ، وسددت خلة ، وأويت ضائعا ، ووليت شبيها بمن كان
عمر يولي ، أنشدك الله يا
علي هل تعلم أن
المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أن
عمر ولاه ؟ قال : نعم . قال : فلم تلومني أن وليت
ابن عامر في رحمه وقرابته ؟ فقال
علي : سأخبرك ، إن
عمر كان كل من ولى فإنما يطأ على صماخيه ، وإن بلغه عنه حرف ، جاء به ، ثم بلغ به أقصى الغاية في العقوبة ،
[ ص: 266 ] وأنت لا تفعل ، ضعفت ورفقت على أقربائك . فقال
عثمان : هم أقرباؤك أيضا . فقال
علي : لعمري إن رحمهم مني لقريبة ، ولكن الفضل في غيرهم . قال
عثمان : هل تعلم أن
عمر ولى
معاوية خلافته كلها ؟ فقد وليته . فقال
علي : أنشدك الله هل تعلم أن
معاوية كان أخوف من
عمر من يرفأ غلام
عمر منه ؟ قال : نعم . قال
علي : فإن
معاوية يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها ، ويقول للناس : هذا أمر
عثمان . فيبلغك ولا تغير على
معاوية . ثم خرج
علي من عنده ، وخرج
عثمان على إثره ، فصعد المنبر ، فخطب الناس فوعظ ، وحذر وأنذر ، وتهدد وتوعد ، وأبرق وأرعد ، فكان فيما قال : ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم به
لابن الخطاب ، ولكنه وطئكم برجله ، وضربكم بيده ، وقمعكم بلسانه ، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم ، ولنت لكم وأوطأت لكم كتفي ، وكففت يدي ولساني عنكم ، فاجترأتم علي ، أما والله لأنا أعز نفرا ، وأقرب ناصرا ، وأكثر عددا ، وأقمن إن قلت : هلم . أتي إلي ، ولقد أعددت لكم أقرانكم ، وأفضلت عليكم فضولا ، وكشرت لكم عن نابي ، فأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ، ومنطقا لم أنطق به ، فكفوا ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم ، فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يليكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا ، ألا فما تفقدون من حقكم ؟ فوالله ما
[ ص: 267 ] قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي . ثم اعتذر عما كان يعطي أقاربه بأنه من فضل ماله . فقام
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم فقال : إن شئتم والله حكمنا بيننا وبينكم السيف ، نحن والله وأنتم كما قال الشاعر :
فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم معارسكم تبنون في دمن الثرى
فقال
عثمان : اسكت لا سكت ، دعني وأصحابي ، ما منطقك في هذا ! ألم أتقدم إليك أن لا تنطق ! فسكت
مروان ونزل
عثمان ، رضي الله عنه .
وذكر
سيف بن عمر وغيره أن
معاوية لما ودع
عثمان حين عزم على الخروج إلى
الشام ، عرض عليه أن يرحل معه إلى
الشام ، فإنهم قوم كثيرة طاعتهم للأمراء . فقال : لا أختار بجوار رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سواه . فقال : أجهز لك جيشا من
الشام يكونون عندك ينصرونك ؟ فقال : إني أخشى أن أضيق بهم بلد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على أصحابه من
المهاجرين والأنصار . قال
معاوية : فوالله يا أمير المؤمنين لتغتالن - أو قال : لتغزين - فقال
عثمان : حسبي الله ونعم الوكيل . ثم خرج
معاوية من عنده وهو متقلد السيف ، وقوسه في يده ، فمر على ملأ من
المهاجرين ؛ فيهم
علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، فوقف عليهم واتكأ على قوسه ، وتكلم بكلام بليغ يشتمل على الوصاة
بعثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عنه والتحذير من إسلامه إلى أعدائه ، ثم انصرف ذاهبا . فقال
الزبير : ما
[ ص: 268 ] رأيته أهيب في عيني من يومه هذا .
وذكر
ابن جرير أن
معاوية استشعر الأمر لنفسه من قدمته هذه إلى
المدينة ، وذلك أنه سمع حاديا يرتجز في أيام الموسم في هذا العام وهو يقول :
قد علمت ضوامر المطي وضمرات عوج القسي
أن الأمير بعده علي وفي الزبير خلف رضي
وطلحة الحامي لها ولي
فقال
كعب الأحبار - وهو يسير خلف
عثمان : والله إن الأمير بعده صاحب البغلة الشهباء . وأشار إلى
معاوية .
فلما سمعها
معاوية لم يزل ذلك في نفسه حتى كان ما كان ، على ما سنذكره في موضعه ، إن شاء الله ، وبه الثقة .
قال
ابن جرير : وفي هذه السنة مات
nindex.php?page=showalam&ids=9953أبو عبس بن جبر بالمدينة ، وهو بدري .
[ ص: 269 ] ومات أيضا
مسطح بن أثاثة ، nindex.php?page=showalam&ids=4498وعاقل بن البكير .
وحج بالناس في هذه السنة
عثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عنه .
[ ص: 261 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ
قَالَ
أَبُو مَعْشَرٍ : فِيهَا كَانَتْ غَزْوَةُ الصَّوَارِي . وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33710_33711تَكَاتَبَ الْمُنْحَرِفُونَ عَنْ طَاعَةِ عُثْمَانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ جُمْهُورُهُمْ مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ - وَهُمْ فِي مُعَامَلَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِحِمْصَ مَنْفِيُّونَ عَنِ
الْكُوفَةِ - وَثَارُوا عَلَى
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ
الْكُوفَةِ ، وَتَأَلَّبُوا عَلَيْهِ وَنَالُوا مِنْهُ وَمِنْ
عُثْمَانَ ، وَبَعَثُوا إِلَى
عُثْمَانَ مَنْ يُنَاظِرُهُ فِيمَا فَعَلَ ، وَفِيمَا اعْتَمَدَ مَنْ عَزْلِ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَوْلِيَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ ، وَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْقَوْلِ ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَعْزِلَ عُمَّالَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِمْ غَيْرَهُمْ مِنَ السَّابِقَيْنَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ ، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ جِدًّا وَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، فَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَهُمْ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرُ
الشَّامِ ، nindex.php?page=showalam&ids=59وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ
مِصْرَ ، nindex.php?page=showalam&ids=16436وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَمِيرُ
الْمَغْرِبِ ، nindex.php?page=showalam&ids=74وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ
الْكُوفَةِ ، nindex.php?page=showalam&ids=4891وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَمِيرُ
الْبَصْرَةِ ، فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا حَدَثَ مِنَ الْأَمْرِ وَافْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ ، فَأَشَارَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَنْ يَشْغَلَهُمْ بِالْغَزْوِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ فَلَا يَكُونَ هَمُّ أَحَدِهِمْ إِلَّا نَفْسَهُ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ دَبَرَةِ دَابَّتِهِ ، وَقَمْلِ
[ ص: 262 ] فَرْوَتِهِ ، فَإِنَّ غَوْغَاءَ النَّاسِ إِذَا تَفَرَّغُوا وَبَطِلُوا ، اشْتَغَلُوا بِمَا لَا يُغْنِي ، وَتَكَلَّمُوا فِيمَا لَا يُرْضِي ، وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ . وَأَشَارَ
سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بِأَنْ يَسْتَأْصِلَ شَأْفَةَ الْمُفْسِدِينَ ، وَيَقْطَعَ دَابِرَهُمْ . وَأَشَارَ
مُعَاوِيَةُ بِأَنْ يَرُدَّ عُمَّالَهُ إِلَى أَقَالِيمِهِمْ ، وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَا تَأَلَّبُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ ، فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ وَأَضْعَفُ جُنْدًا . وَأَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بِأَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ بِالْمَالِ فَيُعْطِيَهِمْ مِنْهُ مَا يَكُفُّ بِهِ شَرَّهُمْ ، وَيَأْمَنُ غَائِلَتَهُمْ ، وَيَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمْ إِلَيْهِ . وَأَمَّا
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَامَ فَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ يَا
عُثْمَانُ ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكَّبْتَ النَّاسَ مَا يَكْرَهُونَ ، فَإِمَّا أَنْ تَعْزِلَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ ، وَإِمَّا أَنْ تَقَدَّمَ فَتُنْزِلَ عُمَّالَكَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ . وَقَالَ لَهُ كَلَامًا فِيهِ غِلْظَةٌ ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فِي السِّرِّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِيُبَلِّغَ عَنْهُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ لِيَرْضَوْا مِنْ
عُثْمَانَ بِهَذَا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَرَّرَ
عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَتَأَلَّفَ قُلُوبَ أُولَئِكَ بِالْمَالِ ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُبْعَثُوا فِي الْغَزْوِ إِلَى الثُّغُورِ ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا ، وَلَمَّا رَجَعَتِ الْعُمَّالُ إِلَى أَقَالِيمِهَا امْتَنَعَ
أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ
سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ، وَلَبِسُوا السِّلَاحَ وَحَلَفُوا أَنْ لَا يُمَكِّنُوهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَعْزِلَهُ
عُثْمَانُ وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ :
الْجَرَعَةُ . وَقَدْ قَالَ يَوْمَئِذٍ
nindex.php?page=showalam&ids=13707الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَاللَّهِ لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْنَا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا . وَتَوَاقَفَ النَّاسُ
بِالْجَرَعَةِ ، وَأَحْجَمَ
سَعِيدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ وَصَمَّمُوا
[ ص: 263 ] عَلَى مَنْعِهِ . وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي مَسْجِدِ
الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ
حُذَيْفَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=91وَأَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو ، فَجَعَلَ
أَبُو مَسْعُودٍ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ
سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ حَتَّى يَكُونَ دِمَاءٌ . فَجَعَلَ
حُذَيْفَةُ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَيَرْجِعَنَّ وَلَا يَكُونُ فِيهَا مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ ، وَمَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُهُ
وَمُحَمَّدٌ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَيٌّ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى
الْمَدِينَةِ وَكَسَرَ الْفِتْنَةَ ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ
أَهْلَ الْكُوفَةِ ، وَكَتَبُوا إِلَى
عُثْمَانَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، فَأَجَابَهُمْ
عُثْمَانُ إِلَى مَا سَأَلُوا ؛ إِزَاحَةً لِعُذْرِهِمْ ، وَإِزَالَةً لِشُبَهِهِمْ ، وَقَطْعًا لِعِلَلِهِمْ .
وَذَكَرَ
سَيْفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ سَبَبَ
nindex.php?page=treesubj&link=33711_31276تَأَلُّبِ الْأَحْزَابِ عَلَى عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ . كَانَ يَهُودِيًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَصَارَ إِلَى
مِصْرَ ، فَأَوْحَى إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ كَلَامًا اخْتَرَعَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَضْمُونُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ : أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ سَيَعُودُ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا ؟ فَيَقُولُ الرَّجُلُ : بَلَى ! فَيَقُولُ لَهُ : فَرَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَفْضَلُ مِنْهُ فَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَعُودَ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَهُوَ أَشْرَفُ مِنْ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ! ثُمَّ يَقُولُ : وَقَدْ كَانَ أَوْصَى إِلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ؛ فَمُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ ،
وَعَلِيٌّ خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ . ثُمَّ يَقُولُ : فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمْرَةِ مِنْ
عُثْمَانَ ، وَعُثْمَانُ مُعْتَدٍ فِي وِلَايَتِهِ مَا لَيْسَ لَهُ . فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ . فَافْتُتِنَ بِهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ مِصْرَ ، وَكَتَبُوا إِلَى جَمَاعَاتٍ مِنْ عَوَامِّ أَهْلِ
الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ؛ فَتَمَالَئُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَتَكَاتَبُوا فِيهِ ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى
عُثْمَانَ ، وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ وَيَذْكُرُ لَهُ
[ ص: 264 ] مَا يَنْقِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ تَوْلِيَتِهِ أَقْرِبَاءَهُ وَذَوِي رَحِمِهِ وَعَزْلِهِ كِبَارَ الصَّحَابَةِ . فَدَخَلَ هَذَا فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَجَمَعَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ نُوَّابَهُ مِنَ الْأَمْصَارِ ، فَاسْتَشَارَهُمْ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
الْوَاقِدِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا كَانَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ كَثُرَ النَّاسُ عَلَى
عُثْمَانَ ، وَنَالُوا مِنْهُ أَقْبَحَ مَا نِيلَ مِنْ أَحَدٍ ، فَكَلَّمَ النَّاسُ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى
عُثْمَانَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدْ كَلَّمُونِي فِيكَ ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ وَمَا أَعْرِفُ شَيْئًا تَجْهَلُهُ وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرُكَ عَنْهُ ، وَلَا خَلَوْنَا بِشَيْءٍ فَنُبَلِّغُكَهُ ، وَمَا خُصِصْنَا بِأُمُورٍ عَنْكَ ، وَقَدْ رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ
nindex.php?page=treesubj&link=31271_31273وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنِلْتَ صِهْرَهُ وَمَا
ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ بِأَوْلَى بِعَمَلِ أَلْحَقِّ مِنْكَ ، وَلَا
ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ مِنْكَ ، وَإِنَّكَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَحِمًا ، وَلَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا لَمْ يَنَالَا ، وَلَا سَبَقَاكَ إِلَى شَيْءٍ ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ ، فَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا تُبْصِرُ مِنْ عَمَى ، وَلَا تَعْلَمُ مِنْ جَهْلٍ ، وَإِنَّ الطَّرِيقَ لِوَاضِحٌ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لِقَائِمَةٌ ، تَعْلَمُ يَا
عُثْمَانُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19829_30302أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ ، هُدِيَ وَهَدَى ، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً ، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَعْلُومَةً ، فَوَاللَّهِ إِنَّ كُلًّا لَبَيِّنٌ ، وَإِنَّ السُّنَنَ لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ ، وَإِنَّ الْبِدَعَ
[ ص: 265 ] لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ، ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَعْلُومَةً ، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ :
يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ ، فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَا ثُمَّ يَرْتَطِمُ فِي غَمْرَةِ جَهَنَّمَ . وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ اللَّهَ وَأُحَذِّرُكَ سَطْوَتَهُ وَنِقْمَتَهُ ، فَإِنَّ عَذَابَهُ شَدِيدٌ أَلِيمٌ ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31276يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ فَيُفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَتُلَبَّسُ أُمُورُهَا عَلَيْهَا ، وَيُتْرَكُونَ شِيَعًا لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ ، يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجًا ، وَيَمْرَجُونَ فِيهَا مَرَجًا . فَقَالَ
عُثْمَانُ : قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ لَتَقُولَنَّ الَّذِي قُلْتَ ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ مَكَانِي مَا عَنَّفْتُكَ وَلَا أَسْلَمْتُكَ ، وَلَا عِبْتُ عَلَيْكَ ، وَلَا جِئْتُ مُنْكِرًا أَنْ وَصَلْتُ رَحِمًا ، وَسَدَدْتُ خَلَّةً ، وَأَوَيْتُ ضَائِعًا ، وَوَلَّيْتُ شَبِيهًا بِمَنْ كَانَ
عُمَرُ يُوَلِّي ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا
عَلِيُّ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ لَيْسَ هُنَاكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَتَعْلَمُ أَنَّ
عُمَرَ وَلَّاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَلِمَ تَلُومُنِي أَنْ وَلَّيْتُ
ابْنَ عَامِرٍ فِي رَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ ؟ فَقَالَ
عَلِيٌّ : سَأُخْبِرُكَ ، إِنَّ
عُمَرَ كَانَ كُلُّ مَنْ وَلَّى فَإِنَّمَا يَطَأُ عَلَى صِمَاخَيْهِ ، وَإِنْ بَلَغَهُ عَنْهُ حَرْفٌ ، جَاءَ بِهِ ، ثُمَّ بَلَغَ بِهِ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُقُوبَةِ ،
[ ص: 266 ] وَأَنْتَ لَا تَفْعَلُ ، ضَعُفْتَ وَرَفُقْتَ عَلَى أَقْرِبَائِكَ . فَقَالَ
عُثْمَانُ : هُمْ أَقْرِبَاؤُكَ أَيْضًا . فَقَالَ
عَلِيٌّ : لَعَمْرِي إِنَّ رَحِمَهُمْ مِنِّي لِقَرِيبَةٌ ، وَلَكِنَّ الْفَضْلَ فِي غَيْرِهِمْ . قَالَ
عُثْمَانُ : هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ
عُمَرَ وَلَّى
مُعَاوِيَةَ خِلَافَتَهُ كُلَّهَا ؟ فَقَدَ وَلَّيْتُهُ . فَقَالَ
عَلِيٌّ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ كَانَ أَخْوَفَ مِنْ
عُمَرَ مِنْ يَرْفَأَ غُلَامِ
عُمَرَ مِنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ
عَلِيٌّ : فَإِنَّ
مُعَاوِيَةَ يَقْطَعُ الْأُمُورَ دُونَكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُهَا ، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ : هَذَا أَمْرُ
عُثْمَانَ . فَيَبْلُغُكَ وَلَا تُغَيِّرُ عَلَى
مُعَاوِيَةَ . ثُمَّ خَرَجَ
عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ ، وَخَرَجَ
عُثْمَانُ عَلَى إِثْرِهِ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَوَعَظَ ، وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ ، وَتَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ ، وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ : أَلَا فَقَدَ وَاللَّهِ عِبْتُمْ عَلَيَّ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ
لِابْنِ الْخَطَّابِ ، وَلَكِنَّهُ وَطِئَكُمْ بِرِجْلِهِ ، وَضَرَبَكُمْ بِيَدِهِ ، وَقَمَعَكُمْ بِلِسَانِهِ ، فَدِنْتُمْ لَهُ عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ أَوْ كَرِهْتُمْ ، وَلِنْتُ لَكُمْ وَأَوْطَأْتُ لَكُمْ كَتِفِي ، وَكَفَفْتُ يَدِي وَلِسَانِي عَنْكُمْ ، فَاجْتَرَأْتُمْ عَلَيَّ ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَنَا أَعَزُّ نَفَرًا ، وَأَقْرَبُ نَاصِرًا ، وَأَكْثَرُ عَدَدًا ، وَأَقْمَنُ إِنْ قُلْتُ : هَلُمَّ . أُتِيَ إِلَيَّ ، وَلَقَدْ أَعْدَدْتُ لَكُمْ أَقْرَانَكُمْ ، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكُمْ فُضُولًا ، وَكَشَرْتُ لَكُمْ عَنْ نَابِي ، فَأَخْرَجْتُمْ مِنِّي خُلُقًا لَمْ أَكُنْ أُحْسِنُهُ ، وَمَنْطِقًا لَمْ أَنْطِقْ بِهِ ، فَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ وَطَعْنَكُمْ وَعَيْبَكُمْ عَلَى وُلَاتِكُمْ ، فَإِنِّي قَدْ كَفَفْتُ عَنْكُمْ مِنْ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَلِيكُمْ لَرَضِيتُمْ مِنْهُ بِدُونِ مَنْطِقِي هَذَا ، أَلَا فَمَا تَفْقِدُونَ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ فَوَاللَّهِ مَا
[ ص: 267 ] قَصَّرْتُ فِي بُلُوغِ مَا كَانَ يَبْلُغُ مَنْ كَانَ قَبْلِي . ثُمَّ اعْتَذَرَ عَمَّا كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ بِأَنَّهُ مِنْ فَضْلِ مَالِهِ . فَقَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=17065مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَقَالَ : إِنْ شِئْتُمْ وَاللَّهِ حَكَّمْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفَ ، نَحْنُ وَاللَّهَ وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
فَرَشْنَا لَكُمْ أَعْرَاضَنَا فَنَبَتْ بِكُمْ مَعَارِسُكُمْ تَبْنُونَ فِي دِمَنِ الثَّرَى
فَقَالَ
عُثْمَانُ : اسْكُتْ لَا سَكَتَّ ، دَعْنِي وَأَصْحَابِي ، مَا مَنْطِقُكَ فِي هَذَا ! أَلَمْ أَتَقَدَّمْ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَنْطِقَ ! فَسَكَتَ
مَرْوَانُ وَنَزَلَ
عُثْمَانُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَذَكَرَ
سَيْفُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ لَمَّا وَدَّعَ
عُثْمَانَ حِينَ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى
الشَّامِ ، عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْحَلَ مَعَهُ إِلَى
الشَّامِ ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ كَثِيرَةٌ طَاعَتُهُمْ لِلْأُمَرَاءِ . فَقَالَ : لَا أَخْتَارُ بِجِوَارِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سِوَاهُ . فَقَالَ : أُجَهِّزُ لَكَ جَيْشًا مِنَ
الشَّامِ يَكُونُونَ عِنْدَكَ يَنْصُرُونَكَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي أَخْشَى أَنْ أُضَيِّقَ بِهِمْ بَلَدَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . قَالَ
مُعَاوِيَةُ : فَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَتُغْتَالَنَّ - أَوْ قَالَ : لَتُغْزَيَنَّ - فَقَالَ
عُثْمَانُ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . ثُمَّ خَرَجَ
مُعَاوِيَةُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ ، وَقَوْسُهُ فِي يَدِهِ ، فَمَرَّ عَلَى مَلَأٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ ؛ فِيهِمْ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ ، وَالزُّبَيْرُ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ وَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ ، وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَصَاةِ
بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ إِسْلَامِهِ إِلَى أَعْدَائِهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ذَاهِبًا . فَقَالَ
الزُّبَيْرُ : مَا
[ ص: 268 ] رَأَيْتُهُ أَهْيَبَ فِي عَيْنِي مِنْ يَوْمِهِ هَذَا .
وَذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ اسْتَشْعَرَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ مَنْ قَدْمَتِهِ هَذِهِ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ حَادِيًا يَرْتَجِزُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فِي هَذَا الْعَامِ وَهُوَ يَقُولُ :
قَدْ عَلِمَتْ ضَوَامِرُ الْمَطِيِّ وَضُمَّرَاتُ عُوَّجِ الْقِسِيِّ
أَنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيُّ وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيُّ
وَطَلْحَةُ الْحَامِي لَهَا وَلِيُّ
فَقَالَ
كَعْبُ الْأَحْبَارِ - وَهُوَ يَسِيرُ خَلْفَ
عُثْمَانَ : وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ صَاحِبُ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ . وَأَشَارَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ .
فَلَمَّا سَمِعَهَا
مُعَاوِيَةُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ حَتَّى كَانَ مَا كَانَ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَبِهِ الثِّقَةُ .
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ
nindex.php?page=showalam&ids=9953أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ بِالْمَدِينَةِ ، وَهُوَ بَدْرِيٌّ .
[ ص: 269 ] وَمَاتَ أَيْضًا
مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=4498وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ .
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .