فيها عيينة بن موسى بن كعب نائب السند الخليفة ، فجهز إليه الخليفة العساكر صحبة خلع عمر بن حفص بن أبي صفرة ، وولاه السند والهند ، فحاربه عمر بن حفص ، وقهره على الأرض ، وتسلمها منه .
وفيها أصبهبذ طبرستان العهد الذي كان بينه وبين المسلمين ، وقتل طائفة ممن كان نكث بطبرستان ، فجهز إليه الخليفة الجيوش صحبة خازم بن خزيمة ، وروح بن حاتم ، ومعهم مرزوق أبو الخصيب ، مولى المنصور ، فحاصروه مدة طويلة ، فلما أعياهم فتح الحصن الذي هو فيه احتالوا عليه ، وذلك أن أبا الخصيب قال لهم : اضربوني واحلقوا رأسي ولحيتي . ففعلوا ذلك ، فذهب إليه كأنه مغاضب للمسلمين ، فدخل الحصن ، ففرح به الأصبهبذ ، وأكرمه وقربه ، وجعل أبو الخصيب يظهر له من النصح والخدمة حتى خدعه ، وحظي عنده جدا ، وجعله من جملة من يتولى فتح الحصن وغلقه ، فلما تمكن عنده كاتب المسلمين وأعلمهم أن الليلة الفلانية في حرسه ، فاقتربوا من الباب حتى أفتحه لكم . فلما كانت تلك الليلة فتح للمسلمين الباب ، ودخلوا فقتلوا من فيه من المقاتلة وسبوا الذرية ، وامتص الأصبهبذ خاتما مسموما فمات . فكان ممن أسر يومئذ أم المنصور ابن المهدي ، وأم إبراهيم ابن المهدي ، وكانتا من بنات الملوك .
[ ص: 342 ] وفيها المنصور لأهل البصرة قبلتهم التي يصلون عندها بالحمان ، وولي بناءه بنى سلمة بن سعيد بن جابر نائب الفرات والأبلة . وصام المنصور شهر رمضان بالبصرة ، وصلى بالناس العيد في ذلك المصلى .
وفيها عزل المنصور نوفل بن الفرات عن إمرة مصر ، وولى عليها حميد بن قحطبة .
وحج بالناس في هذه السنة إسماعيل بن علي .
وفيها توفي سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، عم الخليفة ونائب البصرة ، كان ذلك يوم السبت لسبع بقين من جمادى الآخرة ، وهو ابن تسع وخمسين سنة ، وصلى عليه أخوه عبد الصمد .
روى عن أبيه وعكرمة وأبي بردة ابن أبي موسى . وعنه جماعة منهم; بنوه جعفر ومحمد وزينب ، . وكان قد شاب وهو ابن عشرين سنة ، وخضب لحيته من الشيب في ذلك السن ، وكان كريما جوادا ممدحا ، كان يعتق عشية عرفة في كل سنة مائة نسمة ، وبلغت صلاته والأصمعي لبني هاشم وسائر قريش والأنصار خمسة آلاف ألف .
واطلع يوما من قصره ، فرأى نسوة يغزلن في دار من دور البصرة ، فاتفق أن [ ص: 343 ] قالت إحداهن : ليت الأمير اطلع علينا; فأغنانا عن الغزل . فنهض فجعل يدور في قصره ، ويجمع من حلي نسائه من الذهب والجواهر وغير ذلك ما ملأ به منديلا ، ثم دلاه إليهن ، ونثره عليهن ، فماتت إحداهن من شدة الفرح .
وقد ولي الحج أيام السفاح ، وولي البصرة للمنصور ، وكان من خيار بني العباس ، وهو أخو إسماعيل ، وداود ، وصالح ، وعبد الصمد ، وعبد الله وعيسى ، ومحمد ، وهو عم السفاح والمنصور .
وممن توفي فيها خالد الحذاء ، وعاصم الأحول ، وعمرو بن عبيد القدري ، في قول ، وهو عمرو بن عبيد بن باب - ويقال : ابن كيسان - التميمي مولاهم ، أبو عثمان البصري ، من أبناء فارس ، شيخ القدرية والمعتزلة . روى الحديث عن الحسن البصري ، وعبيد الله بن أنس ، وأبي العالية ، وأبي قلابة ، وعنه الحمادان ، وسفيان بن عيينة ، - وكان من أقرانه - والأعمش وعبد الوارث بن سعيد ، وهارون بن موسى ، ويحيى القطان ، ويزيد بن زريع .
[ ص: 344 ] قال الإمام أحمد بن حنبل : ليس بأهل أن يحدث عنه . وقال علي ابن المديني ليس بشيء . وزاد ويحيى بن معين : ابن معين : وكان رجل سوء ، كان من الدهرية الذين يقولون : إنما الناس مثل الزرع . وقال الفلاس : متروك ، صاحب بدعة ، كان يحدثنا عنه ثم تركه ، وكان يحيى القطان ابن مهدي لا يحدث عنه . وقال أبو حاتم : متروك . وقال : ليس بثقة . وقال النسائي شعبة ، عن يونس بن عبيد : كان يكذب في الحديث . وقال عمرو بن عبيد حماد بن سلمة : قال لي حميد : لا تأخذ عنه ، فإنه كان يكذب على وكذا قال الحسن البصري . أيوب وعوف . وقال وابن عون أيوب : ما كنت أعد له عقلا . وقال : والله لا أصدقه في شيء . وقال مطر الوراق ابن المبارك : إنما تركوا حديثه لأنه كان يدعو إلى القدر . وقد ضعفه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل ، وأثنى عليه آخرون في عبادته ، وزهده وتقشفه; قال هذا سيد شباب القرى ما لم يحدث . قالوا : [ ص: 345 ] فأحدث والله أشد الحدث . وقال الحسن البصري : : كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث ، واعتزل مجلس ابن حبان الحسن هو وجماعة معه فسموا المعتزلة ، وكان يشتم الصحابة ، ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا . وقد روي عنه أنه قال : إن كانت : تبت يدا أبي لهب . في اللوح المحفوظ فما لله على ابن آدم حجة .
وروي له حديث ابن مسعود : حدثنا الصادق المصدوق : . إلى آخره ، فقال : لو سمعت " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما " . حتى قال : " فيؤمر بأربع كلمات; رزقه وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد " الأعمش يرويه لكذبته ، ولو سمعته من لما أحببته ، ولو سمعته من زيد بن وهب ابن مسعود لما قبلته ، ولو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته ، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت : ما على هذا أخذت علينا الميثاق . وهذا من أقبح الكفر ، لعنه الله ، إن كان قال هذا .
وقد قال رحمه الله : عبد الله بن المبارك ،
أيها الطالب علما ايت حماد بن زيد [ ص: 346 ] فخذ العلم بحلم
ثم قيده بقيد وذر البدعة من آ
ثار عمرو بن عبيد
كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
ولو تبصر المنصور لعلم أن كل واحد من أولئك القراء خير من ملء الأرض [ ص: 347 ] مثل والزهد لا يدل على صلاح ، فإن بعض الرهابين قد يكون عنده من الزهد ما لا يطيقه كثير من المسلمين في زمانه . عمرو بن عبيد ،وقد روينا عن قال : رأيت إسماعيل بن مسلمة القعنبي الحسن ابن أبي جعفر في المنام بعد ما مات بعبادان ، فقال لي : أيوب ويونس في الجنة . قلت : وابن عون فعمرو بن عبيد؟ قال : في النار . ثم رآه مرة ثانية ، ويروى ثالثة ، ويقول له مثل هذا .
وقد رئيت له منامات قبيحة ، وقد طول شيخنا في " تهذيبه " ترجمته ، ولخصنا حاصلها في كتاب " التكميل " ، وإنما أشرنا هاهنا إلى نبذ من حاله; ليعرف فلا يغتر به . والله أعلم .