[ ص: 336 ] ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة
فيها خرجت طائفة يقال لهم :
الراوندية . على
المنصور .
ذكر
ابن جرير عن
المدائني أن أصلهم من
خراسان ، وهم على رأي
nindex.php?page=showalam&ids=12149أبي مسلم الخراساني ، كانوا يقولون بالتناسخ ، ويزعمون أن روح
آدم انتقلت إلى
عثمان بن نهيك ، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم
أبو جعفر المنصور ، وأن
الهيثم بن معاوية جبريل . قبحهم الله تعالى . قال : فأتوا يوما قصر
المنصور ، فجعلوا يطوفون به ويقولون : هذا قصر ربنا . فأرسل
المنصور إلى رؤسائهم ، فحبس منهم مائتين ، فغضبوا من ذلك وقالوا : علام تحبسهم؟ ثم عمدوا إلى نعش ، فحملوه على كواهلهم ، وليس عليه أحد واجتمعوا حوله ، كأنهم يشيعون جنازة ، فاجتازوا بباب السجن ، فألقوا النعش ودخلوا السجن قهرا ، واستخرجوا من فيه من أصحابهم ، وقصدوا نحو
المنصور وهم في ستمائة ، فتنادى الناس ، وغلقت أبواب البلد ، وخرج
المنصور من القصر ماشيا; لأنه لم يكن في القصر دابة يركبها ، ثم جيء بدابة فركبها وقصد نحو
الراوندية ، وجاء الناس من كل ناحية ، وجاء
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة ، فلما رأى أمير المؤمنين ترجل وأخذ بلجام دابة
المنصور ، وقال : يا أمير المؤمنين ، ارجع ونحن نكفيكهم . فأبى ، وقام أهل
[ ص: 337 ] السوق إليهم فقاتلوهم ، وجاءت الجيوش فالتفوا عليهم من كل ناحية ، فحصدوهم عن آخرهم ، ولم يبق منهم بقية ، وجرحوا
عثمان بن نهيك بسهم بين كتفيه فمرض أياما ثم مات ، فولي الصلاة عليه الخليفة
المنصور ، وقام على قبره حتى دفن ، ودعا له ، وولى أخاه
عيسى بن نهيك على الحرس ، وكان ذلك كله بالمدينة
الهاشمية من
الكوفة .
ولما فرغ
المنصور من قتال
الراوندية ذلك اليوم صلى بالناس الظهر في آخر وقتها ، ثم أتي بالطعام فقال : أين
معن بن زائدة؟ وأمسك عن الطعام حتى جاء
معن ، فأجلسه إلى جانبه ، ثم أخذ في شكره لمن بحضرته; لما رأى من شهامته يومئذ ، فقال
معن : والله يا أمير المؤمنين ، لقد جئت وإني لوجل ، فلما رأيت استهانتك بهم وإقدامك عليهم قوي قلبي بذلك ، وما ظننت أن أحدا يكون في الحرب هكذا ، فذاك الذي شجعني يا أمير المؤمنين . فأمر له
المنصور بعشرة آلاف ، ورضي عنه ، وولاه
اليمن ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة قبل ذلك مختفيا; لأنه قاتل
المسودة مع
ابن هبيرة ، فلم يظهر إلا في هذا اليوم . فلما رأى الخليفة صدقه في قتاله رضي عنه .
ويقال : إن
المنصور قال : أخطأت في ثلاث; قتلت
أبا مسلم وأنا في جماعة قليلة ، وحين خرجت إلى
الشام ولو اختلف سيفان
بالعراق لذهبت الخلافة ، ويوم
الراوندية لو أصابني سهم غرب لذهبت ضياعا . وهذا من حزمه وصرامته .
وفي هذه السنة ولى
المنصور ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=15346محمدا المهدي ولي عهده من بعده ، بلاد
[ ص: 338 ] خراسان ، وعزل عنها
عبد الجبار بن عبد الرحمن ، وذلك أنه قتل خلقا من شيعة الخليفة ، فشكاه
المنصور إلى
أبي أيوب الخوزي كاتب الرسائل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اكتب إليه ليبعث جيشا من
خراسان لغزو
الروم ، فإذا خرجوا من عنده بعثت إليه من شئت فأخرجوه منها ذليلا ليس عنده كثير أحد . فكتب إليه
المنصور بذلك ، فرد الجواب بأن بلاد
خراسان قد عاثت بها الأتراك ، ومتى خرج منها جيش فسد أمرها . فقال
المنصور لأبي أيوب : ماذا ترى؟ قال : فاكتب إليه بأن بلاد
خراسان أحق بالمدد من غيرها ، وقد جهزت إليك بالجنود فأجاب بأن بلاد
خراسان في هذا العام مضيقة أقواتها ، ومتى دخلها جيش أفسدها . فقال الخليفة
لأبي أيوب : ما تقول؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا رجل قد أبدى صفحته وخلع ، فلا تناظره . فحينئذ بعث
المنصور ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=15346محمدا المهدي ليقيم
بالري ، وبعث
المهدي خازم بن خزيمة مقدمة بين يديه إلى
عبد الجبار ، فما زالوا عليه حتى هزموا من معه ، وأخذوه فأركبوه بعيرا محولا وجهه إلى ناحية ذنب البعير ، وسيروه كذلك في البلاد حتى أقدموه على
المنصور ، ومعه ابنه وجماعة من أهله ، فضرب
المنصور عنقه ، وسير ابنه ومن معه من أهله إلى جزيرة
دهلك في طرف
اليمن ، فأسرتهم
الهنود بعد ذلك ، ثم فودي بعضهم بعد ذلك .
واستقر
المهدي نائبا
بخراسان ، وأمره أبوه أن يغزو
طبرستان ، وأن يحارب
الأصبهبذ بمن معه من الجنود ، وأمده بجيش عليهم
عمر بن العلاء ، وكان من أعلم الناس بحرب
طبرستان ، وهو الذي يقول فيه
بشار الشاعر :
فقل للخليفة إن جئته نصيحا ولا خير في المتهم [ ص: 339 ] إذا أيقظتك حروب العدا
فنبه لها عمرا ثم نم فتى لا ينام على دمنة
ولا يشرب الماء إلا بدم
فلما تواقفت الجيوش على
طبرستان ، فتحوها وحصروا
الأصبهبذ حتى ألجئوه إلى قلعته ، فصالحهم على ما فيها من الذخائر ، وكتب
المهدي إلى أبيه بذلك ، ودخل
الأصبهبذ بلاد
الديلم ، فمات هناك ، وكسروا أيضا ملك
الترك الذي يقال له :
المصمغان . وأسروا أمما من الذراري ، فهذا فتح
طبرستان الأول .
وفي هذه السنة فرغ من بناء
المصيصة على يدي
جبرئيل بن يحيى الخراساني .
وفيها رابط
محمد بن إبراهيم الإمام ببلاد
ملطية .
وفيها عزل
زياد بن عبيد الله عن إمرة
الحجاز ، وولي
المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري ، فقدمها في رجب ، وولي
مكة والطائف الهيثم بن معاوية العتكي .
وفيها توفي
nindex.php?page=treesubj&link=34064موسى بن كعب ، وهو على شرطة
المنصور وعلى
مصر والهند ، ونائبه في
الهند ابنه .
وفيها ولي
مصر محمد بن الأشعث ثم عزل ، وولي عليها
نوفل بن الفرات .
وحج بالناس فيها
صالح بن علي ، وهو نائب
قنسرين وحمص ودمشق ، [ ص: 340 ] وبقية البلاد عليها من ذكرنا في التي قبلها . والله أعلم .
وفيها توفي
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب ، nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة صاحب المغازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11814وأبو إسحاق الشيباني في قول . والله سبحانه أعلم .
[ ص: 336 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا خَرَجَتْ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمْ :
الرَّاوَنْدِيَّةُ . عَلَى
الْمَنْصُورِ .
ذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
الْمَدَائِنِيِّ أَنَّ أَصْلَهُمْ مِنْ
خُرَاسَانَ ، وَهُمْ عَلَى رَأْيِ
nindex.php?page=showalam&ids=12149أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، كَانُوا يَقُولُونَ بِالتَّنَاسُخِ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رُوحَ
آدَمَ انْتَقَلَتْ إِلَى
عُثْمَانَ بْنِ نَهِيكٍ ، وَأَنَّ رَبَّهُمُ الَّذِي يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ
أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ ، وَأَنَّ
الْهَيْثَمَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جِبْرِيلُ . قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ : فَأَتَوْا يَوْمًا قَصْرَ
الْمَنْصُورِ ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ : هَذَا قَصْرُ رَبِّنَا . فَأَرْسَلَ
الْمَنْصُورُ إِلَى رُؤَسَائِهِمْ ، فَحَبَسَ مِنْهُمْ مِائَتَيْنِ ، فَغَضِبُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا : عَلَامَ تَحْبِسُهُمْ؟ ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى نَعْشٍ ، فَحَمَلُوهُ عَلَى كَوَاهِلِهِمْ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَاجْتَمَعُوا حَوْلَهُ ، كَأَنَّهُمْ يُشَيِّعُونَ جِنَازَةً ، فَاجْتَازُوا بِبَابِ السِّجْنِ ، فَأَلْقَوْا النَّعْشَ وَدَخَلُوا السِّجْنَ قَهْرًا ، وَاسْتَخْرَجُوا مَنْ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ ، وَقَصَدُوا نَحْوَ
الْمَنْصُورِ وَهُمْ فِي سِتِّمِائَةٍ ، فَتَنَادَى النَّاسُ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ الْبَلَدِ ، وَخَرَجَ
الْمَنْصُورُ مِنَ الْقَصْرِ مَاشِيًا; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَصْرِ دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا ، ثُمَّ جِيءَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَهَا وَقَصَدَ نَحْوَ
الرَّاوَنْدِيَّةِ ، وَجَاءَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ، وَجَاءَ
nindex.php?page=showalam&ids=17125مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ ، فَلَمَّا رَأَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَرَجَّلَ وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّةِ
الْمَنْصُورِ ، وَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ارْجِعْ وَنَحْنُ نَكْفِيكَهُمْ . فَأَبَى ، وَقَامَ أَهْلُ
[ ص: 337 ] السُّوقِ إِلَيْهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ ، وَجَاءَتِ الْجُيُوشُ فَالْتَفُّوا عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ، فَحَصَدُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ ، وَجَرَحُوا
عُثْمَانَ بْنَ نَهِيكٍ بِسَهْمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَمُرِّضَ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ ، فَوَلِيَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ
الْمَنْصُورُ ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى دُفِنَ ، وَدَعَا لَهُ ، وَوَلَّى أَخَاهُ
عِيسَى بْنَ نَهِيكٍ عَلَى الْحَرَسِ ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْمَدِينَةِ
الْهَاشِمِيَّةِ مِنَ
الْكُوفَةِ .
وَلَمَّا فَرَغَ
الْمَنْصُورُ مِنْ قِتَالِ
الرَّاوَنْدِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا ، ثُمَّ أُتِيَ بِالطَّعَامِ فَقَالَ : أَيْنَ
مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ؟ وَأَمْسَكَ عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى جَاءَ
مَعْنٌ ، فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ ، ثُمَّ أَخَذَ فِي شُكْرِهِ لِمَنْ بِحَضْرَتِهِ; لِمَا رَأَى مِنْ شَهَامَتِهِ يَوْمَئِذٍ ، فَقَالَ
مَعْنٌ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ جِئْتُ وَإِنِّي لَوَجِلٌ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ اسْتِهَانَتَكَ بِهِمْ وَإِقْدَامَكَ عَلَيْهِمْ قَوِيَ قَلْبِي بِذَلِكَ ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَكُونُ فِي الْحَرْبِ هَكَذَا ، فَذَاكَ الَّذِي شَجَّعَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَأَمَرَ لَهُ
الْمَنْصُورُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ ، وَرَضِيَ عَنْهُ ، وَوَلَّاهُ
الْيَمَنَ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=17125مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ قَبْلَ ذَلِكَ مُخْتَفِيًا; لِأَنَّهُ قَاتَلَ
الْمُسَوِّدَةَ مَعَ
ابْنِ هُبَيْرَةَ ، فَلَمْ يَظْهَرْ إِلَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ . فَلَمَّا رَأَى الْخَلِيفَةُ صِدْقَهُ فِي قِتَالِهِ رَضِيَ عَنْهُ .
وَيُقَالُ : إِنَّ
الْمَنْصُورَ قَالَ : أَخْطَأْتُ فِي ثَلَاثٍ; قَتَلْتُ
أَبَا مُسْلِمٍ وَأَنَا فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ ، وَحِينَ خَرَجْتُ إِلَى
الشَّامِ وَلَوِ اخْتَلَفَ سَيْفَانِ
بِالْعِرَاقِ لَذَهَبَتِ الْخِلَافَةُ ، وَيَوْمَ
الرَّاوِنْدِيَّةِ لَوْ أَصَابَنِي سَهْمٌ غَرْبٌ لَذَهَبْتُ ضَيَاعًا . وَهَذَا مِنْ حَزْمِهِ وَصَرَامَتِهِ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى
الْمَنْصُورَ ابْنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15346مُحَمَّدًا الْمَهْدِيَّ وَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، بِلَادَ
[ ص: 338 ] خُرَاسَانَ ، وَعَزَلَ عَنْهَا
عَبْدَ الْجَبَّارِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَتَلَ خَلْقًا مِنْ شِيعَةِ الْخَلِيفَةِ ، فَشَكَاهُ
الْمَنْصُورُ إِلَى
أَبِي أَيُّوبَ الْخَوْزِيِّ كَاتِبِ الرَّسَائِلِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اكْتُبْ إِلَيْهِ لِيَبْعَثَ جَيْشًا مِنْ
خُرَاسَانَ لِغَزْوِ
الرُّومِ ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ بَعَثْتَ إِلَيْهِ مَنْ شِئْتَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا ذَلِيلًا لَيْسَ عِنْدَهُ كَثِيرُ أَحَدٍ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
الْمَنْصُورُ بِذَلِكَ ، فَرَدَّ الْجَوَابَ بِأَنَّ بِلَادَ
خُرَاسَانَ قَدْ عَاثَتْ بِهَا الْأَتْرَاكُ ، وَمَتَى خَرَجَ مِنْهَا جَيْشٌ فَسَدَ أَمْرُهَا . فَقَالَ
الْمَنْصُورُ لِأَبِي أَيُّوبَ : مَاذَا تَرَى؟ قَالَ : فَاكْتُبْ إِلَيْهِ بِأَنَّ بِلَادَ
خُرَاسَانَ أَحَقُّ بِالْمَدَدِ مِنْ غَيْرِهَا ، وَقَدْ جَهَّزْتُ إِلَيْكَ بِالْجُنُودِ فَأَجَابَ بِأَنَّ بِلَادَ
خُرَاسَانَ فِي هَذَا الْعَامِ مُضَيَّقَةٌ أَقْوَاتُهَا ، وَمَتَى دَخَلَهَا جَيْشٌ أَفْسَدَهَا . فَقَالَ الْخَلِيفَةُ
لِأَبِي أَيُّوبَ : مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ وَخَلَعَ ، فَلَا تُنَاظِرْهُ . فَحِينَئِذٍ بَعَثَ
الْمَنْصُورُ ابْنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15346مُحَمَّدًا الْمَهْدِيَّ لِيُقِيمَ
بِالرَّيِّ ، وَبَعَثَ
الْمَهْدِيُّ خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى
عَبْدِ الْجَبَّارِ ، فَمَا زَالُوا عَلَيْهِ حَتَّى هَزَمُوا مَنْ مَعَهُ ، وَأَخَذُوهُ فَأَرْكَبُوهُ بَعِيرًا مُحَوَّلًا وَجْهُهُ إِلَى نَاحِيَةِ ذَنَبِ الْبَعِيرِ ، وَسَيَّرُوهُ كَذَلِكَ فِي الْبِلَادِ حَتَّى أَقْدَمُوهُ عَلَى
الْمَنْصُورِ ، وَمَعَهُ ابْنُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ ، فَضَرَبَ
الْمَنْصُورُ عُنُقَهَ ، وَسَيَّرَ ابْنَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى جَزِيرَةِ
دَهْلَكَ فِي طَرَفِ
الْيَمَنِ ، فَأَسَرَتْهُمُ
الْهُنُودُ بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ فَوِدِيَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَاسْتَقَرَّ
الْمَهْدِيُّ نَائِبًا
بِخُرَاسَانَ ، وَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يَغْزُوَ
طَبَرِسْتَانَ ، وَأَنْ يُحَارِبَ
الْأَصْبَهْبَذَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنُودِ ، وَأَمَدَّهُ بِجَيْشٍ عَلَيْهِمْ
عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَرْبِ
طَبَرِسْتَانَ ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ
بِشَارٌ الشَّاعِرُ :
فَقُلْ لِلْخَلِيفَةِ إِنْ جِئْتَهُ نَصِيحًا وَلَا خَيْرَ فِي الْمُتَّهَمِ [ ص: 339 ] إِذَا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ الْعِدَا
فَنَبِّهْ لَهَا عُمَرًا ثُمَّ نَمْ فَتًى لَا يَنَامُ عَلَى دِمْنَةٍ
وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ إِلَّا بِدَمْ
فَلَمَّا تَوَاقَفَتِ الْجُيُوشُ عَلَى
طَبَرِسْتَانَ ، فَتَحُوهَا وَحَصَرُوا
الْأَصْبَهْبَذَ حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى قَلْعَتِهِ ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الذَّخَائِرِ ، وَكَتَبَ
الْمَهْدِيُّ إِلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ ، وَدَخَلَ
الْأَصْبَهْبَذُ بِلَادَ
الدَّيْلَمِ ، فَمَاتَ هُنَاكَ ، وَكَسَرُوا أَيْضًا مَلِكَ
التُّرْكِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ :
الْمَصْمُغَانُ . وَأَسَرُوا أُمَمًا مِنَ الذَّرَارِي ، فَهَذَا فَتْحُ
طَبَرِسْتَانَ الْأَوَّلُ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُرِغَ مِنْ بِنَاءِ
الْمِصِّيصَةِ عَلَى يَدَيْ
جَبْرَئِيلَ بْنِ يَحْيَى الْخُرَاسَانِيِّ .
وَفِيهَا رَابَطَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ بِبِلَادِ
مَلَطْيَةَ .
وَفِيهَا عُزِلَ
زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِمْرَةِ
الْحِجَازِ ، وَوَلِيَ
الْمَدِينَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ ، فَقَدِمَهَا فِي رَجَبٍ ، وَوَلِيَ
مَكَّةَ وَالطَّائِفَ الْهَيْثَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعَتَكِيُّ .
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
nindex.php?page=treesubj&link=34064مُوسَى بْنُ كَعْبٍ ، وَهُوَ عَلَى شُرْطَةِ
الْمَنْصُورِ وَعَلَى
مِصْرَ وَالْهِنْدِ ، وَنَائِبُهُ فِي
الْهِنْدِ ابْنُهُ .
وَفِيهَا وَلِيَ
مِصْرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ ثُمَّ عُزِلَ ، وَوَلِيَ عَلَيْهَا
نَوْفَلُ بْنُ الْفُرَاتِ .
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا
صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَهُوَ نَائِبُ
قِنِّسْرِينَ وَحِمْصَ وَدِمَشْقَ ، [ ص: 340 ] وَبَقِيَّةِ الْبِلَادِ عَلَيْهَا مَنْ ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
nindex.php?page=showalam&ids=11793أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ ، nindex.php?page=showalam&ids=17177وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ صَاحِبُ الْمَغَازِي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11814وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ فِي قَوْلٍ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .