قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد ابنه عبد الله فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهي أم قنال أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهي عند الكعبة فنظرت إلى وجهه فقالت : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن . قال : أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه . فخرج به عبد المطلب حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو يومئذ سيد بني زهرة سنا وشرفا فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يومئذ سيدة نساء قومها فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها فحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت بالأمس ؟ قالت له : فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، [ ص: 349 ] فليس لي بك اليوم حاجة . وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر ، واتبع الكتب - أنه كائن في هذه الأمة نبي فطمعت أن يكون منها فجعله الله تعالى في أشرف عنصر وأكرم محتد ، وأطيب أصل ، كما قال تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] وسنذكر المولد مفصلا .
ومما قالت أم قنال بنت نوفل من الشعر تتأسف على ما فاتها من الأمر الذي رامته ، وذلك فيما رواه من طريق البيهقي عن يونس بن بكير محمد بن إسحاق رحمه الله :
عليك بآل زهرة حيث كانوا وآمنة التي حملت غلاما ترى المهدي حين نزا عليها
ونورا قد تقدمه أماما
فكل الخلق يرجوه جميعا يسود الناس مهتديا إماما
براه الله من نور صفاء فأذهب نوره عنا الظلاما
وذلك صنع ربك إذ حباه إذا ما سار يوما أو أقاما
فيهدي أهل مكة بعد كفر ويفرض بعد ذلكم الصياما
أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه ودينه
إني رأيت مخيلة لمعت فتلألأت بحناتم القطر
[ ص: 351 ] فلمأتها نورا يضيء له ما حوله كإضاءة البدر
ورجوتها فخرا أبوء به ما كل قادح زنده يوري
لله ما زهرية سلبت ثوبيك ما استلبت وما تدري
بني هاشم قد غادرت من أخيكم أمينة إذ للباه يعتركان
كما غادر المصباح عند خموده فتائل قد ميثت له بدهان
وما كل ما يحوي الفتى من تلاده بحزم ولا ما فاته لتواني
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه سيكفيكه جدان يعتلجان
سيكفيكه إما يد مقفعلة وإما يد مبسوطة ببنان
ولما حوت منه أمينة ما حوت حوت منه فخرا ما لذلك ثان
وروى في كتاب دلائل النبوة من طريق أبو نعيم الحافظ يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس قال : إن عبد المطلب قدم اليمن في رحلة الشتاء فنزل على حبر من اليهود قال : فقال [ ص: 352 ] لي رجل من أهل الزبور : يعني أهل الكتاب : يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك ؟ قال : نعم إذا لم يكن عورة ، قال : ففتح إحدى منخري فنظر فيه ، ثم نظر في الآخر فقال : أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الأخرى نبوة ، وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك ؟ قلت : لا أدري قال : هل لك من شاعة ؟ قلت : وما الشاعة ؟ قال : زوجة قلت : أما اليوم فلا . قال : فإذا رجعت فتزوج فيهم فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة فولدت حمزة ثم تزوج وصفية ، عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش حين تزوج عبد الله بآمنة : فلج أي فاز ، وغلب عبد الله على أبيه عبد المطلب .