ذكر أول المحنة
في هذه السنة كتب
المأمون إلى نائبه
ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن ، وأن يرسل إليه جماعة منهم إلى
الرقة ونسخة كتاب
المأمون إلى نائبه مطولة ، قد سردها
ابن [ ص: 208 ] جرير ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وليس بقديم ، وعنده أن كل محدث فهو مخلوق ، وهذا أمر لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين ولا المحدثين ، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الأفعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة - بعد أن لم يكن - مخلوق ، بل يقولون : هو محدث وليس بمخلوق . بل هو كلام الله تعالى القائم بذاته المقدسة ، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا ، وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث [ الأنبياء : 2 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم [ الأعراف : 11 ] فالأمر بالسجود
لآدم صدر منه تعالى بعد خلق
آدم ، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا ، وهذا له موضع آخر . وقد صنف
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - كتابا في هذا المعنى سماه " " خلق أفعال العباد " " .
والمقصود : أن كتاب
المأمون لما ورد
بغداد قرئ على الناس ، وقد عين
المأمون جماعة من المحدثين ليحضرهم إليه ، وهم
محمد بن سعد كاتب
الواقدي ، وأبو مسلم مستملي
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين ، nindex.php?page=showalam&ids=11997وأبو خيثمة زهير بن حرب ، وإسماعيل بن داود ، وإسماعيل بن أبي مسعود ، وأحمد بن إبراهيم [ ص: 209 ] الدورقي . فبعث بهم إلى
المأمون إلى
الرقة فامتحنهم بالقول بخلق القرآن ، فأجابوه إلى ذلك وأظهروا موافقته ، وهم كارهون ، فردهم إلى
بغداد وأمر بإشهار أمرهم بين الفقهاء ، ففعل
إسحاق بن إبراهيم ذلك ، وأحضر خلقا من مشايخ الحديث والفقهاء ، والقضاة وأئمة المساجد وغيرهم ، فدعاهم الى ذلك عن أمر
المأمون وذكر لهم موافقة أولئك المحدثين له على ذلك ، فأجابوا بمثل جواب أولئك موافقة لهم ، ووقعت بين الناس فتنة عظيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ثم كتب
المأمون كتابا ثانيا إلى
إسحاق يستدل فيه على القول بخلق القرآن بشبه من الدلائل لا تحقيق تحتها ، ولا حاصل لها بل هي من المتشابهات ، وأورد من القرآن آيات هي حجة عليه لا له وقد أورده
ابن جرير بطوله وأمره أن يقرأ ذلك على الناس ، وأن يدعوهم إليه وإلى
nindex.php?page=treesubj&link=33800_29453_29455القول بخلق القرآن ، فأحضر
إسحاق بن إبراهيم جماعة من الأئمة ؛ وهم
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وقتيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=11981وأبو حسان الزيادي ، nindex.php?page=showalam&ids=15536وبشر بن الوليد الكندي ، وعلي بن أبي مقاتل ، وسعدويه الواسطي ، nindex.php?page=showalam&ids=16598وعلي بن الجعد ، nindex.php?page=showalam&ids=12410وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وابن الهرش ، وابن علية الأكبر ، ويحيى بن عبد الحميد العمري ، وشيخ آخر من سلالة
عمر [ ص: 210 ] كان قاضيا على
الرقة وأبو نصر التمار ، وأبو معمر القطيعي ، ومحمد بن حاتم بن ميمون ، nindex.php?page=showalam&ids=17034ومحمد بن نوح الجنديسابوري المضروب ، وابن الفرخان ، nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل ، وابن علي بن عاصم ، وأبو العوام البزاز ، وأبو شجاع ، وعبد الرحمن بن إسحاق وجماعة . فلما دخلوا على
إسحاق بن إبراهيم قرأ عليهم كتاب
المأمون فلما فهموه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15536لبشر بن الوليد : ما تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله . قال : ليس عن هذا أسألك ، وإنما أسألك أهو مخلوق ؟ قال : ليس بخالق . قال : ولا عن هذا أسألك . فقال : ما أحسن غير هذا . وصمم على ذلك . فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله أحدا فردا لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء ولا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه ؟ قال : نعم . فقال للكاتب : اكتب بما قال . فكتب ، ثم امتحنهم رجلا رجلا ، فأكثرهم امتنع من القول بخلق القرآن ، فكان إذا امتنع الرجل منهم يمتحنه بما في الرقعة التي وافق عليها
nindex.php?page=showalam&ids=15536بشر بن الوليد الكندي ، من أنه تعالى لا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه فيقول : نعم . كما قال
بشر .
[ ص: 211 ] ولما انتهت النوبة إلى امتحان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، فقال له : أتقول إن القرآن مخلوق ؟ فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28425_28424القرآن كلام الله ، لا أزيد على هذا . فقال له : ما تقول في هذه الرقعة ؟ فقال : أقول
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ الشورى : 11 ] فقال رجل من
المعتزلة : إنه يقول سميع بأذن بصير بعين . فقال له
إسحاق : ما أردت بقولك سميع بصير ؟ فقال : أردت منها ما أراده الله منها ، وهو كما وصف نفسه ، ولا أزيد على ذلك . فكتب جوابات القوم رجلا رجلا ، وبعث بها إلى
المأمون .
فصل : قد تقدم أن
إسحاق بن إبراهيم نائب
بغداد لما امتحن الجماعة في القول بخلق القرآن ، ونفى التشبيه ، فأجابوا كلهم إلى نفي المماثلة ، وأما القول بخلق القرآن فامتنعوا من ذلك وقالوا كلهم : القرآن كلام الله . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ولا أزيد على هذا حرفا أبدا وقرأ في نفي المماثلة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ الشورى : 11 ] فقالوا : ما أردت بقولك السميع البصير ؟ فقال : أردت منها ما أراده الله منها ، وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها ؛ لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه ، وإن كان له رزق على بيت المال قطع ، وإن كان مفتيا منع من الإفتاء ، وإن كان شيخ حديث ردع عن الإسماع والأداء ، ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم العزيز الحكيم .
[ ص: 212 ]
ذِكْرُ أَوَّلِ الْمِحْنَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَتَبَ
الْمَأْمُونُ إِلَى نَائِبِهِ
بِبَغْدَادَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ الْقُضَاةَ وَالْمُحَدِّثِينَ بِالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْهُمْ إِلَى
الرَّقَّةِ وَنُسْخَةَ كِتَابِ
الْمَأْمُونِ إِلَى نَائِبِهِ مُطَوَّلَةٌ ، قَدْ سَرَدَهَا
ابْنُ [ ص: 208 ] جَرِيرٍ وَمَضْمُونُهُا الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ وَلَيْسَ بِقَدِيمٍ ، وَعِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مُحْدَثٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَلَا الْمُحَدِّثِينَ ، فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَقُومُ بِهِ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِأَنَّ فِعْلَهُ تَعَالَى الْقَائِمَ بِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ - بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ - مَخْلُوقٌ ، بَلْ يَقُولُونَ : هُوَ مُحْدَثٌ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ . بَلْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَمَا كَانَ قَائِمًا بِذَاتِهِ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [ الْأَنْبِيَاءِ : 2 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [ الْأَعْرَافِ : 11 ] فَالْأَمْرُ بِالسُّجُودِ
لِآدَمَ صَدَرَ مِنْهُ تَعَالَى بَعْدَ خَلْقِ
آدَمَ ، فَالْكَلَامُ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ لَيْسَ مَخْلُوقًا ، وَهَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَقَدْ صَنَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابًا فِي هَذَا الْمَعْنَى سَمَّاهُ " " خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " " .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ كِتَابَ
الْمَأْمُونِ لَمَّا وَرَدَ
بَغْدَادَ قُرِئَ عَلَى النَّاسِ ، وَقَدْ عَيَّنَ
الْمَأْمُونُ جَمَاعَةً مِنَ الْمُحَدِّثِينَ لِيُحْضِرَهُمْ إِلَيْهِ ، وَهُمْ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ
الْوَاقِدِيِّ ، وَأَبُو مُسْلِمٍ مُسْتَمْلِي
nindex.php?page=showalam&ids=17376يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ nindex.php?page=showalam&ids=17336وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=11997وَأَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ دَاوُدَ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [ ص: 209 ] الدَّوْرَقِيُّ . فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى
الْمَأْمُونِ إِلَى
الرَّقَّةِ فَامْتَحَنَهُمْ بِالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ وَأَظْهَرُوا مُوَافَقَتَهُ ، وَهُمْ كَارِهُونَ ، فَرَدَّهُمْ إِلَى
بَغْدَادَ وَأَمَرَ بِإِشْهَارِ أَمْرِهِمْ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ ، فَفَعَلَ
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ذَلِكَ ، وَأَحْضَرَ خَلْقًا مِنْ مَشَايِخِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ ، وَالْقُضَاةِ وَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهِمْ ، فَدَعَاهُمُ الى ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ
الْمَأْمُونِ وَذَكَرَ لَهُمْ مُوَافَقَةَ أُولَئِكَ الْمُحَدِّثِينَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَجَابُوا بِمِثْلِ جَوَابِ أُولَئِكَ مُوَافَقَةً لَهُمْ ، وَوَقَعَتْ بَيْنَ النَّاسِ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
ثُمَّ كَتَبَ
الْمَأْمُونُ كِتَابًا ثَانِيًا إِلَى
إِسْحَاقَ يَسْتَدِلُّ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِشُبَهٍ مِنَ الدَّلَائِلِ لَا تَحْقِيقَ تَحْتَهَا ، وَلَا حَاصِلَ لَهَا بَلْ هِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ ، وَأَوْرَدَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَاتٍ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ وَقَدْ أَوْرَدَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ بِطُولِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ وَإِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33800_29453_29455الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، فَأَحْضَرَ
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَئِمَّةِ ؛ وَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَقُتَيْبَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=11981وَأَبُو حَسَّانَ الزِّيَادِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=15536وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي مُقَاتِلٍ ، وَسَعْدَوَيْهِ الْوَاسِطِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=16598وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، nindex.php?page=showalam&ids=12410وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ، وَابْنُ الْهَرْشِ ، وَابْنُ عُلَيَّةَ الْأَكْبَرُ ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْعُمَرِيُّ ، وَشَيْخٌ آخَرُ مِنْ سُلَالَةِ
عُمَرَ [ ص: 210 ] كَانَ قَاضِيًا عَلَى
الرَّقَّةِ وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ ، وَأَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=17034وَمُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ الْمَضْرُوبُ ، وَابْنُ الْفَرُّخَانِ ، nindex.php?page=showalam&ids=15409وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، وَابْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ، وَأَبُو الْعَوَّامِ الْبَزَّازُ ، وَأَبُو شُجَاعٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ
الْمَأْمُونِ فَلَمَّا فَهِمُوهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15536لِبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ : مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ : هُوَ كَلَامُ اللَّهِ . قَالَ : لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ ، وَإِنَّمَا أَسْأَلُكَ أَهُوَ مَخْلُوقٌ ؟ قَالَ : لَيْسَ بِخَالِقٍ . قَالَ : وَلَا عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ . فَقَالَ : مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا . وَصَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ . فَقَالَ : أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَحَدًا فَرْدًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَلَا بَعْدَهُ شَيْءٌ وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَلَا وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ لِلْكَاتِبِ : اكْتُبْ بِمَا قَالَ . فَكَتَبَ ، ثُمَّ امْتَحَنَهُمْ رَجُلًا رَجُلًا ، فَأَكْثَرُهُمُ امْتَنَعَ مِنَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، فَكَانَ إِذَا امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَمْتَحِنُهُ بِمَا فِي الرُّقْعَةِ الَّتِي وَافَقَ عَلَيْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=15536بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ ، مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَلَا وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَيَقُولُ : نَعَمْ . كَمَا قَالَ
بِشْرٌ .
[ ص: 211 ] وَلَمَّا انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إِلَى امْتِحَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، فَقَالَ لَهُ : أَتَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ ؟ فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28425_28424الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا . فَقَالَ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الرُّقْعَةِ ؟ فَقَالَ : أَقُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ الشُّورَى : 11 ] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ : إِنَّهُ يَقُولُ سَمِيعٌ بِأُذُنٍ بَصِيرٌ بِعَيْنٍ . فَقَالَ لَهُ
إِسْحَاقُ : مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ؟ فَقَالَ : أَرَدْتُ مِنْهَا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْهَا ، وَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ . فَكَتَبَ جَوَابَاتِ الْقَوْمِ رَجُلًا رَجُلًا ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى
الْمَأْمُونِ .
فَصْلٌ : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ نَائِبَ
بَغْدَادَ لَمَّا امْتَحَنَ الْجَمَاعَةَ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَنَفَى التَّشْبِيهَ ، فَأَجَابُوا كُلُّهُمْ إِلَى نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا كُلُّهُمْ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : وَلَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا حَرْفًا أَبَدًا وَقَرَأَ فِي نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ الشُّورَى : 11 ] فَقَالُوا : مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ؟ فَقَالَ : أَرَدْتُ مِنْهَا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْهَا ، وَكَانَ مِنَ الْحَاضِرِينَ مَنْ أَجَابَ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ مُصَانَعَةً مُكْرَهًا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْزِلُونَ مَنْ لَا يُجِيبُ عَنْ وَظَائِفِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قُطِعَ ، وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا مُنِعَ مِنَ الْإِفْتَاءِ ، وَإِنْ كَانَ شَيْخَ حَدِيثٍ رُدِعَ عَنِ الْإِسْمَاعِ وَالْأَدَاءِ ، وَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ وَمِحْنَةٌ شَنْعَاءُ وَدَاهِيَةٌ دَهْيَاءُ ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .
[ ص: 212 ]