والفصل الرابع زمان النظر ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :
أحدها أن يقدره بمدة محصورة الشهور أو السنين ، فيكون تقديرها بهذه المدة مجوزا للنظر فيها ، ومانعا من النظر بعد انقضائها ولا يكون النظر في المدة المقيدة لازما من جهة المولي ، وله صرفه ولا استبدال به إذا رأى ذلك صلاحا ، فأما لزومه من جهة العامل المولى فمعتبر بحال جارية عليها ; فإن كان الجاري معلوما بما تصح به الأجور لزمه العمل في المدة إلى انقضائها ; لأن العمالة فيها تصير من الإجارات المحضة ويؤخذ العامل فيها بالعمل إلى انقضائها إجبارا . والفرق بينهما في تخيير المولى ولزومها للمولي أنها في جنبة [ ص: 262 ] المولي من العقود العامة لنيابته فيها عن الكافة فروعي الأصلح في التخيير ، وهي في جنبة المولى من العقود الخاصة لعقده لها في حق نفسه فيجري عليها حكم اللزوم وإن لم يتقدر جاريه بما يصح في الأجور لم تلزمه المدة ، وجاز له الخروج من العمل إذا شاء بعد أن ينهي إلى موليه حال تركه حتى لا يخلو عمله من ناظر فيه .
والحالة الثانية : أن يقدر بالعمل فيقول المولي فيه : قلدتك خراج ناحية كذا في هذه السنة أو قلدتك صدقات بلد كذا في هذا العام فتكون مدة نظره مقدرة بفراغه عن عمله ، فإذا فرغ منه انعزل عنه ، وهو قبل فراغه على ما ذكرنا يجوز أن يعزله المولي ، وعزله لنفسه معتبر بصحة جارية وفساده .
والحالة الثالثة : أن يكون التقليد مطلقا فلا يقدر بمدة ولا عمل ، فيقول فيه : قد قلدتك خراج الكوفة أو أعشار البصرة أو حماية بغداد ، فهذا تقليد صحيح ، وإن جهلت مدته ; لأن المقصود منه الإذن لجواز النظر ، وليس المقصود منه اللزوم المعتبر في عقود الإيجارات .
وإذا صح التقليد ، وجاز النظر لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون مستديما أو منقطعا ، فإن كان مستديما كالنظر في الجباية والقضاء وحقوق المعادن فيصح نظره فيها عاما بعد عام ما لم يعزل .
وإن كان منقطعا فهو على ضربين : أحدهما : أن لا يكون معهود العود في كل عام كالوالي على قسم الغنيمة فينعزل بعد فراغه منها وليس له النظر في قسمة غيرها من الغنائم .
والضرب الثاني أن يكون عائدا في كل عام كالخراج الذي إذا استخرج في عام عاد فيما يليه ، فقد اختلف الفقهاء هل يكون إطلاق تقليده مقصورا على نظر عامه أو محمولا على كل عام ما لم يعزل على وجهين : أحدهما أنه يكون مقصورا للنظر على العام الذي هو فيه ، فإذا استوفى خراجه أو أخذ أعشاره انعزل ولم يكن له أن ينظر في العام الثاني إلا بتقليد مستجد اقتصارا على اليقين .
والوجه الثاني : أنه يحمل على جواز النظر في كل عام ما لم يعزل اعتبارا بالعرف .