( القسم الثالث ) : ما حكم به على خلاف السبب
والقسم المتقدم على خلاف الدليل ، وقد تقدم الفرق بين الأسباب ، والأدلة والحجاج ، وأن القضاة يعتمدون الحجاج ، والمجتهدين يعتمدون الأدلة ، وأن المكلفين يعتمدون الأسباب فهذا قضاء على خلاف الأسباب فإذا اطلع على ذلك وجب نقضه عند الكل إلا قسما منه خالف فيه فإذا قضى القاضي بالقتل على من لم يقتل أو للبيع على من لم يبع أو الطلاق على من لم يطلق أو الدين على من لم يستدن رضي الله عنه ، وهو ما كان فيه عقد ، وفسخ فيجعل حكم الحاكم كالعقد فيما لا عقد فيه أو كالفسخ فيما لا فسخ فيه فإذا أبو حنيفة جاز لذلك الشاهد أن يتزوجها مع علمه بكذب نفسه لأن حكم الحاكم فسخ لذلك النكاح ، وكذلك إذا شهد عنده شاهدا زور بطلاق امرأة فحكم بطلاقها جاز لكل واحد من تلك البينة أن يشتريها ممن حكم له بها ، ويطأها هذا الشاهد مع علمه بكذب نفسه لأن حكم الحاكم تنزل منزلة البيع لمن حكم له ، وكذلك كل ما فيه عقد أو فسخ . شهد عنده ببيع جارية فحكم ببيعها
وأما فيوافقنا فيه ، وأنه باق على ما كان عليه قبل الحكم ، وهذا هو معنى قول المالكية والشافعية ، والحنابلة حكم الحاكم لا يحل حراما ، ولا يحرم حلالا في نفس الأمر خلافا الديون ، وما يجري مجراها مما لا عقد فيه ، ولا فسخ ، ووافقنا لأبي حنيفة أيضا فيما أبو حنيفة فإنه لا تحل له لأن المقضي له لو تزوجها لم تحل له ففات قبول المحل . إذا قضى بنكاح أخت المقضي له أو ذات محرم
وكذلك وافقنا ، وفرق بأن الشهادة شرط ، ولم توجد في الأموال ، ولم يحكم الحاكم بالملك بل بالتسليم ، وهو لا يوجب الملك ، ولنا قوله عليه السلام { إذا تبين أن الشهود عبيد والحكم في عقد النكاح } ، وهو عام في جميع الحقوق ، وقياسا على الأموال بطريق الأولى لأن الأموال أضعف فإذا لم يؤثر فيها فأولى الفروج احتجوا بقضية أنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقتطع له قطعة من النار هلال بن أمية في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم { حين فرق بينه وبين امرأته باللعان قال فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك فجاءت به على تلك الصفة } ، وتبين الأمر على ما قال هلال ، وأن الفرقة لم تكن موجودة ، ومع ذلك لم يفسخ تلك الفرقة .
وأمضاها فدل ذلك على أن ، وعن حكم الحاكم يقوم مقام الفسخ والعقد علي رضي الله عنه أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة ، وشهد له شاهدان فقضى بينهما بالزوجية فقالت ، والله يا أمير المؤمنين ما تزوجت فاعقد بيننا عقدا حتى أحل له فقال شاهداك زوجاك فدل ذلك على أن النكاح ثبت بحكمه ، ولأن اللعان يفسخ به النكاح ، وإن كان أحدهما كاذبا فالحكم أولى لأن للحاكم ولاية عامة على الناس في العقود ، ولأن بدليل أنه لو أوقع العقد على وجه لو فعله المالك نفذ ، ولأن المحكوم عليه لا يجوز له المخالفة ، ويجب عليه التسليم فصار حكم الله تعالى في حقه ما حكم به الحاكم . الحاكم له أهلية العقد والفسخ
وإن علم خلافه فكذلك غيره قياسا عليه ، والجواب عن الأول أن الفرقة في اللعان ليست بسبب صدق الزوج بدليل أنه لو قامت البينة بصدقه لم تعد إليه ، وإنما كانت بسبب أنهما وصلا إلى أسوأ الأحوال في المقابحة بالتلاعن فلم ير الشارع اجتماعهما بعد ذلك لأن الزوجية مبناها السكون والمودة ، وما تقدم من اللعان يمنع ذلك فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب ، وكالبينة إذا قامت ، وعن الثاني إن صح فلا حجة فيه لأنه رضي الله عنه أضاف التزوج للشهود لا لحكمه ، ومنعها من العقد لما فيه من الطعن على الشهود فأخبرها بأنه زوجها ظاهرا ، ولم يتعرض للفتيا ، وما النزاع إلا فيها
( وعن الثالث ) أن كذب أحدهما لم يتعين باللعان [ ص: 43 ]
ولم يختص به أما عدم تعيينه فلأنه قد يكون مستنده في اللعان كونه لم يطأها بعد حيضتها مع أن الحامل قد تحيض أو قرائن حالية مثل كونه رأى رجلا بين فخذيها ، وقد يكون الرجل لم يولج أو أولج ، وما أنزل ، وبالجملة فالقرائن قد تكذب .
وأما عدم فلأن المتداعيين في النكاح أو غيره قد يكون أحدهما كاذبا فاجرا يطلب ما يعلم خلافه ، ولا نسلم أن الحكم يقوم مقام الفسخ والعقد بل لما بينا أن التلاعن يمنع الزوجية . اختصاصه باللعان
( وعن الرابع ) أن صاحب الشرع إنما جعل لتعذر المباشرة منهم ، وها هنا لا ضرورة لذلك ، والأصل أن يلي كل واحد مصالح نفسه فلا يترك الأصل عند عدم المعارض . للحاكم العقد للغائب والمحجور عليهم ونحوهم بطريق الوكالة
( وعن الخامس ) أن المحكوم عليه إنما حرمت عليه المخالفة لما فيها من مفسدة مشاقة الحكام وانخرام النظام وتشويش نفوذ المصالح ، وإما مخالفة بحيث لا يطلع عليه حاكم ، ولا غيره فجائزة
( القسم الرابع ) غير أنه متهم فيه كقضائه لنفسه فإنه يفسخ لأن القاعدة أن التهمة تقدح في التصرفات إجماعا من حيث الجملة ، وهي مختلفة المراتب فأعلى رتب التهمة معتبر إجماعا كقضائه لنفسه ، وأدنى رتب التهم مردود إجماعا كقضائه لجيرانه وأهل صقعه وقبيلته ، والمتوسط من التهم مختلف فيه هل يلحق بالأول أو بالثاني وأصلها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما تتناوله الولاية ، وصادف فيه الحجة ، والدليل والسبب } أي متهم قال لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ابن يونس في الموازية كل من لا تجوز شهادته له لا يجوز حكمه له .
وقاله أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم لأن حكم الحاكم لازم للمقضي عليه فهو أولى بالرد من الشهادة لأن فوق الشاهد من ينظر عليه فيضعف الإقدام على الباطل فتضعف التهمة قال ولا يحكم لعمه إلا أن يكون مبرزا وجوزه وأحمد بن حنبل أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم . وأحمد بن حنبل
وقال عبد الملك لا يحكم لولده الصغير أو يتيمه أو امرأته ، ويجوز لغير هؤلاء الثلاثة كالأب والابن الكبير ، وإن امتنعت الشهادة فإن منصب القضاء أبعد عن التهم لوفور جلالة القاضي دون الشاهد .
وقال أصبغ لم ينفذ فإن قال ثبت عندي ، ولا نعلم أثبت أم لا ، ولم يحضره الشهود ، جاز فيما عدا الثلاثة المتقدمة لأن اجتماع هذه الأمور تضعف التهمة ، وهو الفرق [ ص: 44 ] بينه وبين الشهادة ، وعن فإن حضر الشهود ، وكانت شهادة ظاهرة بحق بين الجواز في الولد والزوجة والأخ والمكاتب والمدبر والمديان إن كان من أهل القيام بالحق ، وصح الحكم ، وقد يحكم للخليفة ، وهو فوقه ، وتهمته أقوى ، ولا ينبغي له أصبغ ، وإن رضي الخصم بخلاف رجلين رضيا بحكم رجل أجنبي فينفذ ذلك عليهما ، القضاء بين أحد من عشيرته وخصمه ، وإن رضي الخصم بذلك فإن فعل فيشهد على رضاه ، ويجتهد في الحق فإن قضى لنفسه أو لمن يمتنع قضاؤه فليذكر القصة كلها ، ورضى خصمه ، وشهادة من شهد برضى الخصم . وإذا فعل ذلك في مواطن خلاف العلماء ، ورأى أفضل منه فالأحسن فسخه فإن مات أو عزل فلا يفسخه غيره إلا في الخطأ البين فإن ولا يقضي بينه وبين غيره كالسرقة قال اجتمع في القضية حق الله عز وجل محمد يقطعه ، وقال ابن عبد الحكم يرفعه لمن فوقه ، وأما ما له فلا يحكم له