( الفرق التاسع والتسعون بين قاعدة وبين قاعدة البقاع المعظمة من المساجد تعظم بالصلاة ، ويتأكد طلب الصلاة عند ملابستها ) الأزمنة المعظمة كالأشهر الحرم وغيرها لا تعظم بتأكد الصوم فيها
مع أن نسبة الصلوات إلى البقاع كنسبة الصوم إلى الأزمان فالمكان يصلى فيه ، والزمان يصام فيه وليس لنا مكان يصام فيه إلا بطريق الغرض كثلاثة أيام في الحج بمكة جبرا لما عرض من النسك لما عرض من الاعتكاف ، ويصام رمضان وغيره لعين ذلك الزمان لا لما عرض فيه فالصوم بوصفه خاص بالزمان ، والصلاة تكون للمكان كتحية المسجد وتكون للزمان كأوقات الصلوات والوتر وركعتي الفجر والضحى ونحوها ، والفرق من حيث الجملة في كون المساجد تعظم بالتحيات إذا دخل إليها والأشهر الحرم ونحوها لا تعظم بالصوم هو أن الله تعالى غني عن الخلق على الإطلاق لا تزيده طاعتهم ولا تنقصه معصيتهم والأدب معه تعالى اللائق بجلاله متعذر منا فأمرنا تعالى أن نتأدب معه كما نتأدب مع أكابرنا ؛ لأنه وسعنا ، ولذلك أمرنا تعالى بالركوع والسجود والمدح له وإكرام خاصته وعبيده ، ولما كان الواحد منا إذا أراد [ ص: 171 ] تعظيم عظيم منا فعل معه ذلك جعل الله تعالى ذلك تعظيما له ، ومن ذلك أن أحدنا إذا مر ببيوت الأكابر يسلم عليهم ويحيهم بالتحية اللائقة بهم ، والسلام في حقه تعالى محال ؛ لأنه دعاء بالسلامة وهو سالم لذاته عن جميع النقائص أو هو من المسالمة ، وهي التأمين من الضرر ، وهو تعالى يجير ولا يجار عليه فاستغنى عن ذلك لتعذر معانيه في حقه تعالى بل ورد أن نقول له تعالى أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا بالسلام أي أنت السالم لذاتك ومنك يصدر السلام لعبادك . وصوم أيام الاعتكاف في المساجد
وإليك يرجع طلبها فاعطنا إياها ، ولما استحال السلام في حقه تعالى أقيمت الصلاة مقامه ليتميز بيت الرب عن غيره من البيوت بصورة التعظيم بما يليق بالربوبية ، ولذلك نابت الفريضة عن النافلة في ذلك لحصول التمييز بها ، ولما كان سبب التحيات في هذه البقاع المعظمة تمييزها اختص بالله تعالى واشتهر باسم اختصاصه به ، وهو لفظ البيوت فإن شأن الرئيس والملك العظيم أن يكون في بيته ويحل في بيته ويختص به ، ولم يوجد من الأزمنة ما اشتهر بالله تعالى هذه الشهرة حتى يحتاج إلى تمييز يختص به يناسب الربوبية ، فهذا هو الفرق بين الأزمنة والبقاع في هذا المعنى فإن قلت فقد ورد { } فقد اختص هذا الوقت من الزمان به تعالى كما اختصت المساجد بأنها بيوته فينبغي أن يشرع فيه ما يوجب التمييز كما شرع في المسجد . أن الثلث الأخير من الليل ينزل الرب تعالى فيه سماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له
قلت : الأزمنة التي جرت عادة الملوك بالقدوم فيها على الرعايا شأنها أن تعظم بالزينة في المدائن وغير الزينة من أسباب الاحتفال ، وكان يلزمنا مثل ذلك في هذا الزمان غير أن الليل لا يلازم الصوم شرعا فشرع فيه ما يناسبه من الدعاء والتضرع والاستغفار ، وإنما الفرق بين الصلاة والصوم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
[ ص: 171 - 176 ]