( الفرق الثامن والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم )
قد تقدم الفرق بين الأدلة ، والأسباب والحجاج ، وأن الأدلة شأن المجتهدين ، والحجاج شأن القضاة والمتحاكمين والأسباب تعتمد المكلفين ، والمقصود هاهنا إنما هو الحجاج فنقول ، وبالله نستعين
[ ص: 83 ] nindex.php?page=treesubj&link=20325_16244_16259_16260_16261_16262_16263_14379_16294_16285_16286_16293_16273_16272_16271الحجاج التي يقضي بها الحاكم سبع عشرة حجة الشاهدان ، الشاهدان واليمين ، والأربعة في الزنا ، والشاهد واليمين والمرأتان ، واليمين والشاهد والنكول ، والمرأتان والنكول ، واليمين والنكول ، وأربعة أيمان في اللعان ، وخمسون يمينا في القسامة ، والمرأتان فقط في العيوب المتعلقة بالنساء ، واليمين وحدها بأن يتحالفا ، ويقسم بينهما فيقضي لكل واحد منهما بيمينه والإقرار ، وشهادة الصبيان ، والقافة ، وقمط الحيطان ، وشواهدها ، واليد فهذه هي الحجاج التي يقضي بها الحاكم ، وما عداه لا يقضي به عندنا ، وفيها شبهات ، واختلاف بين العلماء أنبه عليه فأذكر ما اختلف فيه حجة حجة بانفرادها ، وأورد الكلام فيها إن شاء الله تعالى الحجة
( الأولى الشاهدان ) والعدالة فيهما شرط عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة العدالة حق للخصم فإن طلبها فحص الحاكم عنها ، وإلا فلا ، وعندنا هي حق الله تعالى يجب على الحاكم أن لا يحكم حتى يحققها ، وقال متأخرو الحنفية إنما كان قول المجهول مقبولا في أول الإسلام حيث كان الغالب العدالة فألحق النادر بالغالب فجعل الكل عدولا .
وأما اليوم فالغالب الفسوق فيلحق النادر بالغالب حتى تثبت العدالة ، والمنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة هو الأول ، واستثنى الحدود فلا يكتفي فيها بمجرد الإسلام بل لا بد من العدالة لأن الحدود حق لله تعالى ، وهو ثابت فتطلب العدالة ، وإذا كان المحكوم به حقا لآدمي يجرحها وجب البحث عنهما لنا إجماع الصحابة فإن رجلين شهدا عند
عمر فقال لا أعرفكما ، ولا يضركما أن لا أعرفكما فجاء رجل فقال أتعرفهما قال نعم قال له أكنت معهما في سفر يتبين عن جواهر الناس قال لا قال فأنت جارهما تعرف صباحهما ، ومساءهما قال لا قال أعاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع بينهما الأرحام قال لا فقال ابن أخي ما تعرفهما ائتياني بمن يعرفكما ، وهذا بحضرة الصحابة لأنه لم يكن يحكم إلا بحضرتهم ، ولم يخالفه أحد فكان إجماعا ، والظاهر أنه ما سأل عن تلك الأسباب من السفر وغيره إلا وقد عرف إسلامها لأنه لم يقل أتعرفهما مسلمين ، وليس ذلك استحبابا لأن تعجيل الحكم واجب على الفور عند وجود الحجة لأن أحد الخصمين على منكر غالبا ، وإزالة المنكر واجب على الفور ، والواجب لا يؤخر إلا لواجب ، ولقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم } مفهومه أن غير العدل لا يستشهد ، وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51منكم } إشارة إلى المسلمين فلو كان الإسلام كافيا لم يبق في لتقييد فائدة .
والعدل مأخوذ
[ ص: 84 ] من الاعتدال في الأقوال والأفعال والاعتقاد فهو وصف زائد على الإسلام ، وغير معلوم بمجرد الإسلام وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ممن ترضون من الشهداء } ، ورضاء الحاكم بهم فرع معرفتهم وبالقياس على الحدود وبالقياس على طلب الخصم العدالة فإن فرقوا بأن العدالة حق للخصم فإذا طلبها تعينت ، وأن الحدود حق لله تعالى ، وهو ثابت عن الله منعنا أن العدالة حق لآدمي بل حق لله تعالى في الجميع فيتجه القياس ، ويندفع الفرق بالمنع احتجوا بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم } ولم يشترط العدالة ، وبقول
عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في حد {
وقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي بعد أن قال له أتشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله } فلم يعتبر غير الإسلام ، ولأنه لو أسلم كافر بحضرتنا جاز قبول قوله مع أنه لم يتحقق منه إلا الإسلام ، ولأن البحث لا يؤدي إلى تحقق العدالة ، وإذا كان المقصود الظاهر فالإسلام كاف في ذلك لأنه أتم وازع ، ولأن صرف الصدقة يجوز بناء على ظاهر الحال من غير بحث ، وعمومات النصوص والأوامر تحمل على ظاهرها من غير بحث فكذلك هاهنا يتوضأ بالمياه ، ويصلي بالثياب بناء على الظواهر من غير بحث فكذلك هاهنا قياسا عليها ، والجواب عن الأول أنه مطلق فيحمل على المقيد ، وهو قوله ذوي عدل منكم فقيد بالعدالة ، وإلا لضاعت الفائدة في هذا القيد ، وقيد أيضا برضاء الحاكم .
وهو مشروط بالبحث ، ولأن الإسلام لا يكفي فيه ظاهر الدار فكذلك لا يكفي الإسلام في العدالة ، وعن الثاني أنه يدل على اعتبار وصف العدالة بقوله عدول فلو لم يكن معتبر السكت عنه ، وهو معارض بقوله في آخر الأمر لا يؤمر مسلم بغير العدول ، والمتأخر ناسخ للمتقدم ، ولأن ذلك كان في صدر الإسلام حيث العدالة غالبة بخلاف غيره ( وعن الثالث ) أن السؤال عن الإسلام لا يدل على عدم سؤاله عن غيره فلعله سأل أو كان غير هذا الوصف معلوما عنده ( وعن الرابع ) أنا لا نقبل شهادته حتى نعلم سجاياه ، وعدم جرأته على الكذب ، وإن قبلناه فذلك لأجل تيقننا عدم ملابسته ما ينافي العدالة بعد إسلامه
( وعن الخامس ) أنه باطل بالإسلام فإن البحث عنه لا يؤدي إلى يقين ، ويحكم الحاكم في القضية التي لا نص فيها ، ولا إجماع فإن بحثه لا يؤدي إلى يقين .
وأما الفقر فلا بد من البحث عنه ، ولأن الأصل هو الفقر بخلاف العدالة بل وزانه هاهنا أن
[ ص: 85 ] تعلم عدالته في الأصل فإنا لا نبحث عن مزيلها ، وكذلك أصل الماء الطهارة فلا يخرج عن ذلك إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه ، وذلك معلوم بالقطع فلا حاجة إلى البحث ، ولأن الأصل الطهارة بخلاف العدالة ، وأما العمومات والأوامر فإنا لا نكتفي بظاهرها بل لا بد من البحث عن الصارف المخصص ، وغيره ، ولأن الأصل بقاؤها على ظاهرها .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ )
قَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَالْأَسْبَابِ وَالْحِجَاجِ ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَالْحِجَاجَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ وَالْأَسْبَابَ تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ ، وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحِجَاجُ فَنَقُولُ ، وَبِاَللَّهِ نَسْتَعِينُ
[ ص: 83 ] nindex.php?page=treesubj&link=20325_16244_16259_16260_16261_16262_16263_14379_16294_16285_16286_16293_16273_16272_16271الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً الشَّاهِدَانِ ، الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا ، وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ ، وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ ، وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ ، وَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فِي اللِّعَانِ ، وَخَمْسُونَ يَمِينًا فِي الْقَسَامَةِ ، وَالْمَرْأَتَانِ فَقَطْ فِي الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْيَمِينُ وَحْدَهَا بِأَنْ يَتَحَالَفَا ، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْإِقْرَارُ ، وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ ، وَالْقَافَةُ ، وَقُمُطُ الْحِيطَانِ ، وَشَوَاهِدُهَا ، وَالْيَدُ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا ، وَفِيهَا شُبُهَاتٌ ، وَاخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَأَذْكُرُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ حُجَّةً حُجَّةً بِانْفِرَادِهَا ، وَأُورِدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ
( الْأُولَى الشَّاهِدَانِ ) وَالْعَدَالَةُ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ الْعَدَالَةُ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا ، وَإِلَّا فَلَا ، وَعِنْدَنَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا ، وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةَ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا .
وَأَمَّا الْيَوْمُ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيُلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَاسْتَثْنَى الْحُدُودَ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ يَجْرَحُهَا وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْهُمَا لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ
عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا ، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنْ لَا أَعْرِفَكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا ، وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تَقْطَعُ بَيْنَهُمَا الْأَرْحَامَ قَالَ لَا فَقَالَ ابْنُ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا ، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا وَقَدْ عُرِفَ إسْلَامُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمَيْنِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكِرٌ غَالِبًا ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدُ ، وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51مِنْكُمْ } إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي لِتَقْيِيدِ فَائِدَةٍ .
وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ
[ ص: 84 ] مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ، وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُدُودِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ ، وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِالْمَنْعِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ ، وَبِقَوْلٍ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ {
وَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ } فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامَ ، وَلِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرَ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا الْقَيْد ، وَقَيَّدَ أَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ .
وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِ عُدُولٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرُ السَّكْتِ عَنْهُ ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْمَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ ، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْره ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فَذَلِكَ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ
( وَعَنْ الْخَامِسِ ) أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ ، وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا ، وَلَا إجْمَاعَ فَإِنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ .
وَأَمَّا الْفَقْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْفَقْرُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ بَلْ وِزَانُهُ هَاهُنَا أَنْ
[ ص: 85 ] تَعْلَمَ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّا لَا نَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْمَاءِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ ، وَأَمَّا الْعُمُومَاتُ وَالْأَوَامِرُ فَإِنَّا لَا نَكْتَفِي بِظَاهِرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ ، وَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا .