جناية السلطان
( قال ) رحمه الله تعالى : وإذا الشافعي من ذلك فالحق قتله ; لأنه فعل به ما لزمه وكذلك إن اقتص منه في جرح يقتص منه من مثله وإذا ضرب في خمر أو سكر من شراب بنعلين أو طرف ثوب أو يد أو ما أشبهه ضربا يحيط به العلم أنه لا يبلغ أربعين أو يبلغها ولا يجاوزها فمات من ذلك فالحق قتله وما قلت الحق قتله فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة على الإمام ولا على الذي يلي ذلك من المضروب ، ولو ضربه بما وصفت أربعين أو نحوه لم يزد عليه شيئا فكذلك وذلك أن أقام السلطان حدا من قطع أو حد قذف أو حد زنا ليس برجم على رجل أو امرأة عبد أو حر فمات سأل من حضر ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له فكان فيما ذكروا عنده أربعين أو نحوها فإن ضربه أربعين أو أقل منها بسوط أو ضربه أكثر من أربعين بالنعال أو غير ذلك فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال . أبا بكر
أخبرنا عن إبراهيم بن محمد علي بن يحيى عن الحسن أن رضي الله عنه قال ما أحد يموت في حد من الحدود فأجد في نفسي منه شيئا إلا الذي يموت في حد الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات منه فديته إما قال في بيت المال وإما على عاقلة الإمام الشك من علي بن أبي طالب ( قال الشافعي ) وبلغنا أن الشافعي أرسل إلى امرأة ففزعت فأجهضت ذا بطنها فاستشار عمر رضي الله عنهما فأشار عليه بدية وأمر عليا عمر فقال عزمت عليك لتقسمنها في قومك . عليا
( قال ) رحمه الله تعالى : وإذا الشافعي كرهت ذلك ، وإن مات من ذلك الضرب فلا عقل ولا قود ولا كفارة ولو كانت المحدودة امرأة كانت هكذا إلا أنها إن كانت حاملا لم يكن له حدها لما في بطنها فإن وقع على الرجل حد فضربه الإمام وهو مريض أو في برد شديد أو حر شديد ضمن ما في بطنها وإن حدها فأجهضت لم يضمنها وضمن ما في بطنها ; لأنه لم يتعد عليها وإنما قلت ليس له أن يحدها للذي في بطنها فضمنته الجنين ; لأنه بسبب فعله ولم أضمنه إياها ; لأن الحق قتلها . ماتت فأجهضت
( قال ) وإذا الشافعي ضمنته عاقلته ; لأن هذا كله خطأ في الحكم ، وكذلك لو حد الإمام [ ص: 94 ] رجلا بشهادة عبدين أو عبد وحر أو ذمي ومسلم أو شهادة غير عدلين في أنفسهما أو غير عدلين على المشهود عليه حين شهدا فمات ضمنهما إن ماتا ومن قلت يضمنه إن مات ضمن الحكومة في جلده أو أثر إن بقي به وعاش ، وكذلك يضمن دية يده إن قطعه ، وكل ما قلت يضمنه من خطئه فالدية فيه على عاقلته ، وإذا أقر عنده صبي أو معتوه بحد فحده ضمن الإمام دون الجالد فإن كان حده ثمانين فزاد سوطا فمات فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين . أحدهما : أن يضمن الإمام نصف ديته كما لو جنى رجلان على رجل أحدهما ضربة والآخر ثمانين ضربة أو أقل أو أكثر ضمنا الدية نصفين ، أو يضمن سهما من أحد وثمانين سهما من ديته ويكون كواحد وثمانين قتلوه فيغرم حصته . أمر الجالد بجلد الرجل ولم يوقت له ضربا فضربه الجالد أكثر من الحد فمات
ولو قال له : اضربه ثمانين فأخطأ الجالد فزاده واحدة ضمن الجالد دون الإمام ، ولو قال له اجلده ما شئت أو ما رأيت أو ما أحببت أو ما لزمه عندك فتعدى عليه ضمن الجالد العدوان وليس كالذي يأمره بأن يضربه أمامه ولا يسمي له عددا وهو يحصي عليه ولو ضمن ما أصابه من الضرب بأمره ولم يضمنه الجالد إلا أن يعلم الجالد أن الإمام ظالم بأن يقول الإمام : أنا أضرب هذا ظالما أو يقول الجالد : قد علمت أنه يضربه ظالما بلا شبهة فيضمن الجالد والإمام معا ، ولو قال الجالد : ضربته وأنا أرى الإمام مخطئا عليه وعلمت أن ذلك رأي بعض الفقهاء ضمن الجالد وليس للضارب أن يضرب إلا أن يرى أن ما أمره به الإمام حق أو مغيب عنه سبب ضربه أو يأمره بضربه فيكون ذلك عنده على أنه لم يأمره إلا بما لزم المضروب ، وإذا كان الإمام للمضروب ظالما ضمنت عاقلة الإمام ديته ، وهكذا إن ضرب الإمام فيما دون الحد تعزيرا فمات المضروب ضمنت عاقلته نفسها وعينها ، فإن قيل : فمن أين ؟ قلت له : أن يعزر ولم زعمت أنه إن مات مما جعلت له لم تسقط عنه الدية ؟ . خاف الرجل نشوز امرأته فضربها فماتت أو فقأ عينها خطأ
قلت : إني قلت له أن يفعل إباحة من جهة الرأي وكان له في بعض التعزير أن يترك وعليه في الحد أن يقيمه وليس له تركه بحال وإذا فعلى عاقلة السلطان دية جنينها إذا كان ما أحدثه الرسل بأمره فإن كان الرسل أحدثوا شيئا بغير أمر السلطان فذلك على عواقلهم دون عاقلة السلطان ; لأن معروفا أن المرأة تسقط من الفزع ولو أن بعث السلطان إلى امرأة أو رجل عند امرأة ففزعت المرأة لدخول الرسل أو غلبتهم أو انتهارهم أو الذعر من السلطان فأجهضت لم تضمن عاقلة السلطان ; لأن الأغلب أن أحدا لا يموت من فزع رسول السلطان ولو امرأة أو رجلا بعث إليه السلطان فمات فزعا لم يضمن شيئا إلا أن يقر السلطان أنه مات من فقد ما منعه . سجن السلطان رجلا فمنعه الطعام والشراب أو أحدهما فمات من ساعته
وإن حبسه مدة يمكن أن يموت فيها من حبسها عطشا أو جوعا فمات ضمنه إذا ادعى ورثته أنه مات من فقد ما منعه ، وكذلك لو أخذه فذكر جوعا أو عطشا فحبسه مدة يمكن أن يموت من أتت عليه فيها من ذكر مثل جوعه أو عطشه ، وكذلك لو فإن كان البرد والحر مما يقتل مثله فمات ضمنه وإن كان مما لا يقتل مثله لم يضمنه من قبل أنه قد يموت فجأة من غير مرض يعرف ولا يضمنه حتى يكون الأغلب أنه مات بمنعه إياه مدة يموت من منع مثل ما منعه فيها . فإذا كان حبسه فجرده ومنعه الأدفية في برد أو حر أو لرجل سلعة فأمر السلطان بقطعها فعلى السلطان القود في المكره إلا أن تشاء ورثته أن يأخذوا الدية وقد قيل : عليه القود في الذي لا يعقل ، وقيل : لا قود على السلطان في الذي لا يعقل وعليه الدية في ماله . أكلة فأمر السلطان بقطع عضوه الذي [ ص: 95 ] هي فيه ، والذي هي به لا يعقل إما صبي وإما مغلوب على عقله أو عاقل فأكرهه على ذلك فمات
( قال أبو يعقوب ) والصبي مثل المعتوه ( قال ) فأما غير السلطان يفعل هذا فيقاد منه إلا أن يكون ذلك أبا صبي أو معتوه لا يعقل أو وليه فيضمن الدية ويدرأ عنه القود بالشبهة ، ولو كان الشافعي لم يضمن السلطان ; لأنه قد كان عليهما أن يفعلا إلا أن يعذرهما في حر شديد أو برد شديد يكون الأغلب أنه لا يسلم من عذر في مثله فيضمن عاقلته ديتهما ، ولو رجل أغلف أو امرأة لم تخفض فأمر السلطان بهما فعذرا فماتا ضمنه السلطان وعقلته عاقلته ، وكذلك لو كلفه أن يفعل شيئا قد يتلف من فعل مثله ولو كان أكره السلطان رجلا على أن يرقى نخلة أو ينزل في بئر فرقى أو نزل فسقط فمات لم يضمن ; لأن الأغلب أن هذا لا يمات من مثله إلا أن يقر السلطان بأنه مات منه فيضمنه في ماله أو يكون معلوما أنه إذا فعل مثل ما كلفه كان الأغلب أن ذلك يتلفه . كلفه أن يمشي قليلا في أمر يستعين السلطان في مثله فمشى فمات
وإذا كان هذا هكذا ضمنه السلطان وقد قيل : يضمن السلطان من هذا ما يضمن من استعمل عبدا محجورا فأما كل فالسلطان ضامن لديه من مات فيه . . أمر ليس من صلاح المسلمين أكره السلطان عليه رجلا فمات منه في ذلك الأمر