( قال ) رحمه الله : افترض الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبينا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له وهي موضوعة في مواضعها . الشافعي
( قال ) رحمه الله فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخبرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته الشافعي فقال { وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } إلى قوله { أجرا عظيما } فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه .
( قال ) رحمه الله وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل { الشافعي فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } أحدث لكن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا فأما { رضي الله عنها قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه عائشة } أفكان ذلك طلاقا ؟ فتعني والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا ( قال قول ) رحمه الله وإذا فرض الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن فكل الشافعي فلا طلاق عليه . من خير امرأته فلم تختر الطلاق
( قال ) رحمه الله وكذلك كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها أخبرنا الشافعي الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الثقة عن الشافعي عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي عن { مسروق قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة } فكان ذلك طلاقا أخبرنا أن الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الثقة عن الشافعي عن معمر الزهري عن عروة عن رضي الله عنها بمثل معنى هذا الحديث . عائشة
( قال ) فأنزل الله تبارك وتعالى { الشافعي لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك } ( قال ) قال بعض أهل العلم أنزلت عليه { الشافعي لا يحل لك } بعد تخييره أزواجه أخبرنا الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي سفيان عن عمرو عن عن عطاء عائشة أنها قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء أخبرنا الربيع قال قال كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول الله تبارك وتعالى { الشافعي لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } .
( قال ) وأحسب قول الشافعي أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى [ ص: 151 ] { عائشة إنا أحللنا لك أزواجك } - إلى قوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } .
( قال ) فذكر الله عز وجل ما أحل له فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن وذكر بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي قال فدل ذلك على معنيين أحدهما أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له وذلك أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة وكان عنده عدد نسوة وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره . الشافعي
( قال ) رحمه الله ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك فقال { الشافعي ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } إلى " عليك " .
( قال ) فمن الشافعي ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة وهي تحل له ولغيره أخبرنا اتهب منهن فهي زوجة لا تحل لأحد بعده الربيع قال أخبرنا ، قال أخبرنا الشافعي عن مالك عن أبي حازم { سهل بن سعد } . أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت قياما طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فذكر أنه زوجه إياها
( قال ) رحمه الله وكان الشافعي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وقال { مما خص الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } فحرم ليس هكذا نساء أحد غيره وقال عز وجل { نكاح نسائه من بعده على العالمين يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } فأثابهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين .
( قال ) رحمه الله وقوله { الشافعي وأزواجه أمهاتهم } مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله فقوله { أمهاتهم } يعني في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم ( قال ) رحمه الله : فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ فالدليل عليه { الشافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج بنته وهو أبو المؤمنين وهي بنت فاطمة زوجها خديجة أم المؤمنين رضي الله عنه وزوج عليا رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة } وأن تزوجت ، وأن زينب بنت أم سلمة تزوج الزبير بن العوام بنت أبي بكر وأن تزوج ابنته الأخرى وهما أختا أم المؤمنين طلحة تزوج وعبد الرحمن بن عوف ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن .
( قال ) رحمه الله وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر وهي يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه ( قال الشافعي ) رحمه الله الشافعي والعرب تقول للمرأة ترب أمرهم أمنا وأم العيال وتقول ذلك للرجل يتولى أن يقوتهم أم العيال بمعنى أنه وضع نفسه موضع الأم التي ترب أمر العيال وقال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولي قوتهم : [ ص: 152 ]
وأم عيال قد شهدت تقوتهم إذا احترتهم أقفرت وأقلت تخالف علينا الجوع إن هي أكثرت
ونحن جياع أي أول تألت وما إن بها ضن بما في وعائها
ولكنها من خشية الجوع أبقت
( قال ) قال الله عز وجل { الشافعي الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } يعني أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائي يحدثن رضاعا للمولود فيكن به أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن أو يحدثنه أو حرمه النبي صلى الله عليه وسلم والأم تحرم نفسها وترث وتورث فيحرم بها غيرها فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها والله أعلم .
( قال ) رحمه الله في هذا دلالة على أشباه له من القرآن جهلها من قصر علمه باللسان والفقه فأما ما سوى ما وصفنا من أن الشافعي ومن اتهب بغير مهر ومن أن أزواجه أمهاتهم لا يحللن لأحد بعده وما في مثل معناه من الحكم بين الأزواج فيما يحل منهن ويحرم بالحادث ولا يعلم حال الناس يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفرا أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا لكل من له أزواج من الناس أخبرنا للنبي صلى الله عليه وسلم من عدد النساء أكثر مما للناس الربيع قال أخبرنا قال أخبرني الشافعي أنه سمع محمد بن علي ابن شهاب يحدث عن عبيد الله عن رضي الله عنها { عائشة } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها
( قال ) رحمه الله ومن ذلك { الشافعي سودة فقالت لا تفارقني ودعني حتى يحشرني الله في أزواجك وأنا أهب ليلتي ويومي لأختي عائشة } ( قال ) وقد فعلت أنه أراد فراق ابنة محمد بن مسلمة شبيها بهذا حين أراد زوجها طلاقها ونزل فيها ذكر ( قال ) أخبرنا الشافعي سفيان عن الزهري عن في ذلك { ابن المسيب وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } إلى " صلحا " ( قال ) وهذا موضوع في موضعه بحججه أخبرنا الشافعي الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي أنس بن عياض عن عن أبيه عن هشام بن عروة { زينب ابنة أبي سلمة قالت قلت يا رسول الله هل لك في أختي بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفعل ماذا ؟ قالت تنكحها قال أختك قالت نعم قال أوتحبين ذلك ؟ قالت نعم لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي قال فإنها لا تحل لي فقلت والله لقد أخبرت أنك تخطب أبي سفيان ابنة أبي سلمة قال ابنة أم سلمة ؟ قالت نعم قال فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن } . عن
( قال ) رحمه الله وكل ما وصفت لك الشافعي وبينه في كتاب الله أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا لم يختلفوا فيه . مما فرض الله على النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له دون الناس