( واختلف الجنس ) أي جنس المبيع ( منهما ) جميعهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين اشتمل الآخر عليهما ( كمد عجوة ودرهم بمد ) عجوة ( ودرهم ) [ ص: 441 ] وكثوب ودرهم بثوب ودرهم أو مجموعهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين اشتمل الآخر على أحدهما فقط كثوب مطرز بذهب أو قلادة فيها خرز وذهب بيع أو بيعت بذهب ، فإن كان الثمن فضة اشترط تسليم الذهب وما يقابله من الثمن في المجلس ( وكمد ودرهم بمدين أو درهمين ) وبما قررناه سابقا بقولنا واحدا المذكور بأصله واستغنى عنه بالتنكير المشعر بالتوحيد ، ويمكن أن يكون استغنى عنه بما علم من أول الباب أنه حيث اختلفت العلة لا ربا اندفع ما أورد عليه من بيع ذهب وفضة ببر وحده أو مع شعير أو معهما فإنه لم يتحد جنس من الجانبين ( أو اختلف النوع ) يعني غير الجنس باختلاف الصفة مثلا من الجانبين جميعهما بأن اشتمل أحدهما من الدراهم أو الدنانير على موصوفين بصفتين اشتمل الآخر عليهما كجيد ورديء بهما أو بأحدهما بشرط تمييزهما إذ لا يتأتى التوزيع إلا حينئذ بخلاف ما إذا لم يتميزا .
وظاهر كلامهم الصحة هنا وإن كثرت حبات الآخر وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين إذ الفرق بين الجنس والنوع أن الحبات إذا كثرت في الجنس لم تتحقق المماثلة ، بخلاف النوع أو متبوعهما بأن اشتمل أحدهما على موصوفين بصفتين اشتمل الآخر على أحدهما فقط ( كصحاح ومكسرة [ ص: 442 ] بهما ) أي بصحاح ومكسرة ( أو بأحدهما ) أي بصحاح فقط أو بمكسرة فقط ، وقيمة المكسرة دون قيمة الصحاح في الكل كما هو الغالب ; لأن التوزيع الآتي إنما يتأتى حينئذ وما ذكره الطبري من أن من ذلك بيع ذهب بذهب وأحدهما خشن أو أسود غير صحيح ، إذ السواد والخشونة ليس عينا أخرى مضمومة لذلك الطرف بل هو عيب في العوض ومعلوم أن مراد الطبري أن أحد الطرفين اشتمل على عينين من الذهب إحداهما الخشنة أو سوداء ، وكذا لو بانت إحداهما مختلطة بنحو نحاس ( فباطلة ) ولا يجيء هنا تفريق الصفقة والقائل بتفريقها غالط ، إذ شرط الصحة علم التساوي حال العقد فيما يستقر عليه وذلك مفقود هنا فهو من القاعدة ; ولأن الفساد للهيئة الاجتماعية كالعقد على خمس نسوة معا لخبر قال { فضالة بن عبيد خيبر بقلادة فيها خرز معلق بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا حتى يميز بينه وبينها قال فضالة : فرده حتى ميز بينهما } . رواه أبو داود أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
ولأن قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين أن يوزع ما في الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة والتوزيع فيما نحن فيه يؤدي إلى المفاضلة أو عدم تحقق المماثلة ، ففي فحد الدرهمين ثلثا طرفه فيقابله ثلثا مد وثلثا درهم من الطرف الآخر [ ص: 443 ] فتتحقق المفاضلة بمقابلة ثلثي مد بنصف مد وإن استوت قيمة المد من الطرفين فالمماثلة غير محققة ; لأنها تعتمد التقويم وهو تخمين قد يخطئ ، ولا فرق في الجنس المضموم إلى الربوي المتحد الجنس من الجانبين بين أن يكون ربويا أم لا ، وما قدره بعض الشراح في الجنس هنا بالربوي يوهم الصحة في بيع مد ودرهم بمد ودرهم إن اختلفت قيمة المد من الطرفين كدرهمين ودرهم ; لأن جنس الربوي غير مختلف ، وليس كذلك إذ هو حينئذ من القاعدة ; لأن جنس المبيع اختلف ومحل ما تقرر في المعين ليخرج به ما في الذمة فلا يأتي جميع ما في غيره فيه فلا يشكل بما سيأتي في الصلح من أنه لو كان له على غيره ألف درهم وخمسون دينارا فصالح عنها بألفي درهم جاز ، وخرج بالصلح ما لو بيع درهم وثوب بمثلهما فلا يصح ، وفارق صحة الصلح عن ألف بخمسمائة بأن لفظه يقتضي قناعة المستحق بالقليل عن الكثير فيتضمن الإبراء عن الباقي وبأن المأخوذ فيه بصفة الدين بخلافه هنا فيهما . عوض دائنه عن دينه النقد نقدا من جنسه وغيره أو وفاه به غير لفظ تعويض لكن بمعناه مع الجهل بالمماثلة
واعلم أنه قد يغفل عن دقيقه فلا بأس بالتفطن لها ، وهي أنه علم مما تقرر بطلان بيع نحو دينار فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما ولو خالصا وإن قل الخليط ; لأنه يؤثر في الوزن مطلقا ، فإن فرض عدم تأثيره فيه ولم يظهر به تفاوت في القيمة صح ، ويؤخذ منه بالأولى بطلان ما عمت به البلوى من دفع دينار مغربي [ ص: 444 ] مثلا وعليه تمام ما يبلغ به دينارا جديدا من فضة أو فلوس وأخذ دينار جديد بدله جريا على القاعدة ; ولهذا قال بعضهم : لو قال لصيرفي اصرف لي بنصف هذا الدرهم فضة وبالنصف الآخر فلوسا جاز ; لأنه جعل نصفا في مقابلة الفضة ونصفا في مقابلة الفلوس ، بخلاف ما لو قال : اصرف لي بهذا الدرهم نصف فضة ونصف فلوس لا يجوز ; لأنه إذا قسط عليهما ذلك احتمل التفاضل وكان من صور مد عجوة .