الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ونقرهم ) أي : الكفار ( على فاسد نكاحهم ، وإن خالف أنكحة المسلمين إذا اعتقدوه في دينهم ) نكاحا .

                                                                                                                      ( ولم يرتفعوا إلينا ) لقوله تعالى { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا } فدل على أنهم يخلون أحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا ، ولأنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يعترض عليهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم وما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة ( فإن أتونا قبل عقده ) أي النكاح ( عقدناه على حكمنا ) بولي وشهود وإيجاب وقبول لقوله تعالى { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } .

                                                                                                                      ( وإن أتونا مسلمين أو غير مسلمين بعده ) أي العقد ( لم نتعرض لكيفية عقدهم ) لأنه أسلم خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف [ ص: 117 ] عن كيفيتها ، فأولى إذا ارتفعوا إلينا من غير إسلام ( ولا نعتبر له ) أي لنكاحهم الذي يعتقدونه لأنفسهم ( شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود ، وصفة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك ) مما تقدم ، لما سبق ( لكن لا نقرهم على نكاح محرم في الحال ) أي حال الترافع إلينا مسلمين أو لا ( كالمحرمات بالنسب ) كأن كانت تحته أخته أو بنتها أو بنت أخيه ( أو السبب ) كأن تكون تحته أم زوجته أو زوجة أبيه أو ابنه أو أخته من رضاع أو بنت موطوءته ولو بشبهة أوزنا ( وكالمعتدة ) من غيره ولم تفرغ عدتها ( و ) ك ( المرتدة ) لأنها لا تقر على ردتها ( و ) ك ( المجوسية ) إذا أسلم زوجها لا يقر على نكاحها .

                                                                                                                      ( و ) ك ( الحبلى من الزنا ) إذا ترافعا إلينا قبل أن تلد أو أسلما أو أحدهما قبل ذلك ( و ) ك ( المطلقة ثلاثا ) فلا يقر على نكاحها إذا أسلم أو أسلمت أو ترافعا إلينا ( أو ) كان النكاح ( شرط فيه الخيار متى شاء أو ) شرط فيه الخيار ( إلى مدة هما فيها ) حيث قلنا بفساده من المسلم كما نبه عليه القاضي وابن عقيل وأبو عبد الله بن تيمية وصاحب التنقيح لأنهما يعتقدان أنه لا يدوم بينهما و المذهب أن النكاح صحيح والشرط فاسد كما تقدم وعبارته كالمنتهى موهمة ، وسبقهما الشارح وغيره إليها ( ونحوه ) كما لو تزوجها إلى مدة وهو نكاح المتعة فإذا أسلما لم يقرا عليه لأنهما يعتقدان أنه لا يدوم بينهما ( بل يفرق بينهم فإن كان ) .

                                                                                                                      التفريق بينهم ( قبل الدخول فلا مهر ) لها لأنه لا أثر للعقد إذن ( وإن فرق بينهما بعده ) أي : بعد الدخول ( فلها مهر المثل ) لشبهة العقد والاعتقاد ( وإن كانت المرأة تباح إذن ) أي حال الترافع أو الإسلام ( كعقده ) عليها ( في عدة ) ولم يترافعا أو يسلما حتى ( فرغت ) العدة ( أو ) عقده ( بلا ولي أو بلا شهود وصيغة ) أي : إيجاب وقبول ( أو تزويجها على أخت ) لها و ( ماتت ) أختها ( بعد عقده وقبل الإسلام والترافع أقرا ) قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حالة واحدة : أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع .

                                                                                                                      ( وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته واعتقداه نكاحا أقرا ) عليه إذا أسلما لأن المصحح له اعتقاده الحل وهو موجود هنا كالنكاح بلا ولي ( وإن لم يعتقداه نكاحا لم يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم ، وكذا ذمي ) يعني قهر حربية واعتقداه نكاحا أقرا عليه أو طاوعته على الوطء واعتقداه نكاحا أقرا عليه وأما قهر الذمية فلا يتأتى لعصمتها قال الشيخ تقي الدين : إن قهر ذمي ذمية لم يقر مطلقا ، وهو ظاهر كلام جماعة وصرح [ ص: 118 ] به في الترغيب وجزم به في البلغة .

                                                                                                                      وظاهر كلام الموفق والشارح أنهم كأهل الحرب قال في الإنصاف وهو الصواب ويمكن حمله على ما أشرت إليه أولا فلا تعارض ( ومتى كان المهر صحيحا ) استقر ( أو ) كان المهر ( فاسدا ) كخمر أو خنزير ( وقبضته استقر ) لأنه لا يتعرض لما فعلوه ويؤكده قوله تعالى { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ولأن في التعرض لهم تنفيرا لهم عن الإسلام فعفى عنه كما عفى عما تركوه من الفرائض .

                                                                                                                      ( وإن كان ) المهر ( صحيحا ولم تقبضه أخذته ) لوجوبه بالعقد ( وإن لم تقبض ) المهر الفاسد فلها مهر المثل لأنه يجب في التسمية الفاسدة فإذا كانت الزوجة مسلمة فكذا الكافرة ولأن الخمر لا قيمة له في الإسلام فوجب مهر المثل ( أو لم يسم لها مهر فلها مهر المثل ) لأنه نكاح خلا عن تسمية فوجب لها مهر المثل كالمسلمة .

                                                                                                                      ( ولو أسلما والمهر خمر قد قبضته فانقلب ) الخمر ( خلا وطلق قبل الدخول رجع بنصفه ) أي نصف الخل لأنه عين الصداق المعقود عليه ( ولو تلف الخل ثم طلق ) قبل الدخول ( رجع بمثل نصفه ) لأنه مثلي .

                                                                                                                      ( وإن قبضت الزوجة بعض الحرام ) كالخمر إذا قبضت منه بعضه قبل الإسلام أو الترافع إلينا استقر ما قبضته لما تقدم ، و ( وجب ) لها ( ما بقي من مهر مثل ) لاستقرار ما قبضته وإلغاء ما لم تقبضه .

                                                                                                                      ( وتعتبر الحصة فيما يدخله كيل ) بالكيل ( أو ) يدخله ( وزن ) بالوزن ( أو ) يدخله ( عد به ) أو ذرع بالذرع لأن العرف فيه كذلك ولا قيمة له في الإسلام ليعتبر بها فلو أصدقها عشرة خنازير فقبضت منها خمسة وجب لها قسط ما بقي وهو نصف مهر المثل لأنه لا قيمة لها فاستوى كبيرها وصغيرها .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية