وأما الثاني وهو الذي يرجع إلى صفة المستأجر والمستأجر فيه فالكلام فيه في موضعين : أحدهما : في بيان صفة المستأجر والمستأجر فيه ، والثاني في بيان ما يغير تلك الصفة .
أما الأول فنقول - وبالله التوفيق - : لا خلاف في أن كالدار ، والدابة ، وعبد الخدمة ، ونحو ذلك ، حتى لو هلك في يده بغير صنعه لا ضمان عليه ; لأن قبض الإجارة قبض مأذون فيه ، فلا يكون مضمونا كقبض الوديعة والعارية . المستأجر أمانة في يد المستأجر
وسواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة لما قلنا .
وأما المستأجر فيه كثوب القصارة ، والصباغة ، والخياطة ، والمتاع المحمول في السفينة ، أو على الدابة ، أو على الجمال ، ونحو ذلك ، فالأجير لا يخلو إما إن كان مشتركا أو خاصا وهو المسمى أجير الوحد ، فإن كان مشتركا فهو أمانة في يده ، في قول ، أبي حنيفة ، وزفر ، وهو أحد قولي والحسن بن زياد ، وقال الشافعي أبو يوسف : هو مضمون عليه إلا حرق غالب أو غرق غالب أو لصوص مكابرين ، ولو احترق بيت الأجير المشترك بسراج ; يضمن الأجير كذا روي عن ومحمد ; لأن هذا ليس بحريق غالب ، وهو الذي يقدر على استدراكه لو علم به ; لأنه لو علم به لأطفأه فلم يكن موضع العذر ، وهو استحسان ، ثم إن هلك قبل العمل يضمن قيمته غير معمول ولا أجر له ، وإن هلك بعد العمل فصاحبه بالخيار : إن شاء ضمنه قيمته معمولا ، وأعطاه الأجر بحسابه ، وإن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له ، واحتجا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { محمد } ، وقد عجز عن رد عينه بالهلاك فيجب رد قيمته قائما مقامه . : على اليد ما أخذت حتى ترده
وروي أن رضي الله عنه كان يضمن الأجير المشترك احتياطا لأموال الناس ، وهو المعنى في المسألة ، وهو أن هؤلاء الأجراء الذين يسلم المال إليهم من غير شهود تخاف الخيانة منهم ، فلو علموا أنهم لا يضمنون ; لهلكت أموال الناس ; لأنهم لا يعجزون عن دعوى الهلاك ، وهذا المعنى لا يوجد في الحرق الغالب ، والغرق الغالب ، والسرق الغالب . عمر
أن الأصل أن لا يجب الضمان إلا على المتعدي لقوله عز وجل : { ولأبي حنيفة فلا عدوان إلا على الظالمين } ، ولم يوجد التعدي من الأجير ; لأنه مأذون في القبض ، والهلاك ليس من صنعه فلا يجب الضمان عليه ; ولهذا لا يجب الضمان على المودع ، والحديث لا يتناول الإجارة ; لأن الرد في باب الإجارة لا يجب على المستأجر فكان المراد منه الإعارة والغصب ، وفعل رضي الله عنه يحتمل أنه كان في بعض الأجراء ، وهو المتهم بالخيانة ، وبه نقول ثم عندهما إنما يجب الضمان على الأجير إذا هلك في يده ; لأن العين إنما تدخل في الضمان عندهما بالقبض كالعين المغصوبة ، فما لم يوجد القبض لا يجب الضمان ، حتى لو كان صاحب المتاع معه راكبا في السفينة أو راكبا على الدابة التي عليها الحمل فعطب الحمل من غير صنع الأجير لا ضمان عليه ; لأن المتاع في يد صاحبه ، وكذلك إذا كان صاحب المتاع ، والمكاري راكبين على الدابة أو سائقين أو قائدين ; لأن المتاع في أيديهما ، فلم ينفرد الأجير باليد ، فلا يلزمه ضمان اليد ، وروى عمر بشر عن أنه إن سرق المتاع من رأس الحمال ، وصاحب المتاع يمشي معه لا ضمان عليه ; لأن المتاع لم يصر في يده ، حيث لم يخل صاحب المتاع بينه وبين المتاع ، وقالوا في الطعام إذا كان في سفينتين وصاحبه في إحداهما ، وهما مقرونتان أو غير مقرونتين إلا أن سيرهما جميعا وحبسهما جميعا فلا ضمان على الملاح فيما هلك من يده ; لأنه هلك في يد صاحبه ، وكذلك القطار إذا كان عليه حمولة ، ورب الحمولة على بعير فلا ضمان على الجمال ; لأن المتاع في يد صاحبه ; لأنه هو الحافظ له ، وروى أبي يوسف عن ابن سماعة في أبي يوسف قال رجل استأجر حمالا ليحمل عليه زقا من سمن فحمله صاحب الزق والحمال جميعا ليضعاه على رأس الحمال فانخرق الزق ، وذهب ما فيه : لا يضمن الحمال ; لأنه لم يسلم إلى [ ص: 211 ] الحمال بل هو في يده قال : وإن حمله إلى بيت صاحبه ثم أنزله الحمال من رأسه وصاحب الزق فوقع من أيديهما فالحمال ضامن ، وهو قول أبو يوسف الأول ، ثم رجع وقال : لا ضمان عليه محمد أن المحمول داخل في ضمان الحمالة بثبوت يده عليه فلا يبرأ إلا بالتسليم إلى صاحبه ، فإذا أخطئوا جميعا فيد الحمال لم تزل فلا يزول الضمان ، لأبي يوسف أن الشيء قد وصل إلى صاحبه بإنزاله فخرج من أن يكون مضمونا ، كما لو حملاه ابتداء إلى رأس الحمال فهلك ، وروى ولمحمد هشام عن فيمن دفع إلى رجل مصحفا يعمل فيه ، ودفع الغلاف معه ، أو دفع سيفا إلى صيقل يصقله بأجر ، ودفع الجفن معه فضاعا ، قال محمد : يضمن المصحف ، والغلاف ، والسيف والجفن ; لأن المصحف لا يستغني عن الغلاف ، والسيف لا يستغني عن الجفن ، فصار كشيء واحد ، قال : فإن أعطاه مصحفا يعمل له غلافا أو سكينا يعمل له نصالا فضاع المصحف أو ضاع السكين لم يضمن ; لأنه لم يستأجره على أن يعمل فيهما بل في غيرهما ، ولو اختلف الأجير ، وصاحب الثوب فقال الأجير : رددت ، وأنكر صاحبه فالقول قول الأجير في قول محمد ; لأنه أمين عنده في القبض ، والقول قول الأمين مع اليمين ، ولكن لا يصدق في دعوى الأجر ، وعندهما : القول قول صاحب الثوب ; لأن الثوب قد دخل في ضمانه عندهما فلا يصدق على الرد إلا ببينة ، وإن كان الأجير خاصا فما في يده يكون أمانة في قولهم جميعا ، حتى لو هلك في يده بغير صنعه لا يضمن ، أما على أصل أبي حنيفة فلأنه لم يوجد منه صنع يصلح سببا لوجوب الضمان ; لأن القبض حصل بإذن المالك . أبي حنيفة
وأما على أصلهما فلأن وجوب الضمان في الأجير المشترك ثبت استحسانا صيانة لأموال الناس ، ولا حاجة إلى ذلك في الأجير الخالص ; لأن الغالب أنه يسلم نفسه ، ولا يتسلم المال فلا يمكنه الخيانة ، والله - عز وجل - أعلم .