وأما الأحكام التي هي من التوابع فكثيرة ، بعضها يرجع إلى الآجر والمستأجر مما عليهما ولهما ، وبعضها يرجع إلى صفة المستأجر والمستأجر فيه .
أما الأول : فجملة الكلام فيه أن عقد الإجارة لا يخلو إما أن شرط فيه . تعجيل البدل أو تأجيله
وأما إن كان مطلقا عن شرط التعجيل والتأجيل ، فإن شرط فيه تعجيل البدل فعلى المستأجر تعجيلها والابتداء بتسليمها ، سواء كان ما وقع عليه الإجارة شيئا ينتفع بعينه كالدار والدابة وعبد الخدمة ، أو كان صانعا أو عاملا ينتفع بصنعته أو عمله كالخياط والقصار والصياغ والإسكاف ; لأنهما لما شرطا تعجيل البدل لزم اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم { } . المسلمون عند شروطهم
وملك [ ص: 204 ] الآجر البدل حتى تجوز له هبته ، والتصدق به ، والإبراء عنه ، والشراء ، والرهن ، والكفالة ، وكل تصرف يملك البائع في الثمن في باب البيع ، وللمؤاجر أن يمتنع عن تسليم المستأجر في الأشياء المنتفع بأعيانها حتى يستوفي الأجرة ، وكذا للأجير الواحد أن يمتنع عن تسليم النفس ، وللأجير المشترك أن يمتنع عن إيفاء العمل قبل استيفاء الأجرة في الإجارة كالثمن في البياعات ، وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن إذا لم يكن مؤجلا ، كذا ههنا ، وإن شرط فيه يبتدأ بتسليم المستأجر وإيفاء العمل وإنما يجب بتسليم البدل عند انقضاء الأجل ; لأن الأصل في الشروط اعتبارها ; للحديث الذي روينا ، وإن تأجيل الأجرة يبتدأ بتسليم ما وقع عليه العقد في نوعي الإجارة ، فيجب على المؤاجر تسليم المستأجر ، وعلى الأجير تسليم النفس أو إيفاء العمل أولا عندنا ، خلافا كان العقد مطلقا عن شرط التعجيل والتأجيل ; لأن الأجرة لا تجب عندنا بالعقد المطلق ، وعنده تجب ، والمسألة قد مرت ، غير أن في النوع الأول وهو الإجارة على الأشياء المنتفع بأعيانها إذا سلم المستأجر لا يجب على المستأجر تسليم البدل كله للحال ، بل على حسب استيفاء المنفعة شيئا فشيئا حقيقة أو تقديرا بالتمكن من الاستيفاء في قول للشافعي الآخر ، وللمؤاجر أن يطالبه بالأجرة بمقدار ذلك يوما فيوما في الإجارة على العقار ونحوه ، ومرحلة مرحلة في الإجارة على المسافة ، ولكن يخير المكاري على الحمل إلى المكان المشروط ، إذ لو لم يخير لتضرر المستأجر ، وفي قوله الأول وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف لا يجب تسليم شيء من البدل إلا عند انتهاء المدة ، أو قطع المسافة كلها في الإجارة على قطع المسافة ، وقد ذكرنا وجه القولين فيما تقدم . ومحمد
وأما في النوع الآخر وهو بلا خلاف ، حتى قالوا في الحمال ما لم يحط المتاع من رأسه لا يجب الأجر ; لأن الحط من تمام العمل ، وهكذا قال استئجار الصناع ، والعمال فلا يجب تسليم شيء من البدل إلا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة بعد الفراغ من العمل في أبو يوسف : إنه ليس له ذلك ; لأن الوضع من تمام العمل ، والفرق أن كل جزء من العمل في هذا النوع غير مقصود ; لأنه لا ينتفع ببعضه دون بعض ، فكان الكل كشيء واحد ، فما لم يوجد لا يقابله البدل بلا خلاف ، بخلاف النوع الأول على قول الحمال يطلب الأجرة بعد ما بلغ المنزل قبل أن يضعه الآخر ; لأن كل جزء من السكنى وقطع المسافة مقصود فيقابل بالأجرة أبي حنيفة