الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فإذا ادعى ولدا هو ثابت النسب من الغير في حقه فلا تسمع دعواه ، ولو قال : هو ابني وابنك فهو من الثاني ; لأنه لما قال هو ابني فقد صدقه ، فقد ثبت نسبه منه فإقراره بعد ذلك بقوله وابنك لم يصح .

                                                                                                                                قال محمد : فإن كان هذا الغلام يعقل فالمرجع إلى تصديقه ; لأنه إذا كان عاقلا كان في يد نفسه ، فلا تقبل دعوى النسب عليه من غير تصديقه .

                                                                                                                                قال : وإن كان الولد من أمة ولدته في ملكهما ، فالجواب كالأول في النسب إن على قول أبي حنيفة لا يثبت من المقر بعد اعترافه لشريكه ، وعلى قولهما يثبت قال : والأمة أم ولد لمن ثبت النسب منه ; لأن الاستيلاد يتبع النسب ، ومن هذا النوع ما إذا اشترى رجلان جارية فجاءت بولد في ملكهما لستة أشهر فصاعدا ، وادعى أحدهما أن الولد ابنه وادعى الآخر أن الجارية بنته وخرجت الدعوتان معا .

                                                                                                                                فالدعوة دعوة من يدعي الولد ، ودعوة مدعي الأم باطلة ; لأن مدعي الولد دعوته دعوة الاستيلاد ، والاستيلاد يستند إلى وقت العلوق ، ومدعي الأم دعوة تحرير والتحرير يثبت في الحال ولا يستند ، فكانت دعوة مدعي الولد سابقة ، فثبت نسب الولد منه ويصير نصيبه من الجارية أم ولد له ، وينتقل نصيب شريكه منها إليه فكان دعوى الشريك دعوى فيما لا يملك فلا يسمع ، وهل يضمن مدعي الولد بنصف قيمة الأم ونصف عقرها ؟ قال محمد : يضمن ، وذكر في الجامع الكبير أن هذا قياس قول أبي حنيفة ، وهي رواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف ، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لا شيء على مدعي الولد من قيمة الأم ولا من العقر ، ولا شيء له أيضا على مدعي الأم ، فإن أكذب مدعي الأم نفسه فله نصف قيمة الأم ، ونصف عقرها على مدعي الولد ، وذكر الكرخي أن هذا القول أقيس ووجهه أن مدعي الأم أقر أنها حرة الأصل .

                                                                                                                                فكان منكرا ضمان القيمة ، فلا يثبت له حق التضمين ، فإن رجع عن دعواه وأكذب نفسه ثبت له حق الضمان الذي اعترف به له شريكه ، وجه قول أبي حنيفة ومحمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف أنه لما ثبت نسب الولد من المدعي ، فقد صار نصيبه من الجارية أم ولد فكذا نصيب شريكه لعدم تجزؤ الجارية في حق الاستيلاد فيما يحتمل النقل ، فصار متلفا نصيب شريكه عليه ، ولا يجوز تملك مال الغير إلا بعوض فيضمن لشريكه نصف قيمة الأم ، ويضمن له نصف عقر الجارية أيضا ; لأن الوطء لاقاها ، ونصفها مملوك للشريك ، فما صادف ملك غيره يجب به العقر .

                                                                                                                                وأما قوله أن مدعي الأم أقر أنها حرة الأصل .

                                                                                                                                فالجواب من وجهين : أحدهما أنه لما قضى بكونها أم ولد للمدعي فقد صار مكذبا شرعا ، فبطل كما لو ادعى المشتري أنه اشترى الدار بألف وادعى البائع البيع بألفين وأقام البائع البينة ، وقضى القاضي بألفين على المدعى عليه ، أن الشفيع يأخذها بالألفين من المشتري وإن سبق من المشتري الإقرار بالشراء بألف لما أنه كذبه شرعا كذا هذا ، والثاني أن إقراره بحريتها وجد بعد ما حكم بزوالها عن ملكه ; لأنها جعلت زائلة عنه من وقت العلوق فلم يصح إقراره ، فلم يصر إقراره إبراء إياه عن الضمان كما في مسألة الشفيع .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية