الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو دبره عبده ثم كاتبه جازت الكتابة لما ذكرنا ، فإن أدى الكتابة قبل موت المولى عتق لوجود شرط العتق بسبب الكتابة ، وهو أداء بدل الكتابة ، وإن لم يؤد حتى مات المولى عتق أيضا إن كان يخرج كله من ثلث مال المولى ; لوجود شرط العتق بسبب التدبير وهو موت المولى .

                                                                                                                                وخروج المدبر من ثلث ماله ولا سعاية عليه ; لأن عتق المدبر وصية والوصية في الثلث نافذة فإذا خرج كله من الثلث عتق كله من غير سعاية ، وإن لم يكن له مال آخر سواه فله الخيار إن شاء استسعى في جميع الكتابة وإن شاء سعى في ثلثي قيمته ، فإن اختار الكتابة سعى على النجوم وإن اختار السعاية في ثلثي قيمته يسعى حالا ، وهذا قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف : يسعى في الأقل من جميع الكتابة ومن ثلثي القيمة وقال محمد : يسعى في الأقل من ثلثي الكتابة ومن ثلثي القيمة ، والخلاف في هذه المسألة يقع في فصلين : أحدهما في الخيار ، والثاني في المقدار ، والخلاف في الخيار بين أبي حنيفة وصاحبيه ، وفي المقدار بين أبي حنيفة وأبي يوسف ، وبين محمد أما فصل الخيار فالخلاف فيه مبني على أن العتق يتجزأ عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يتجزأ ووجه البناء على هذا الأصل أن العتق لما كان متجزئا عنده لم يعتق بموت المولى إلا ثلث العبد ، وبقي الثلثان منه رقيقا ، وقد توجه إلى الثلثين العتق من جهتين : إحداهما الكتابة بأداء بدل مؤجل ، والثانية التدبير بسعاية ثلثي القيمة معجلا .

                                                                                                                                فيخير إن شاء مال إلى هذا وإن شاء مال إلى ذاك ، ولما لم يكن العتق متجزئا عندهما فإذا عتق [ ص: 120 ] ثلثه بالموت فقد عتق كله ، وبطل التأجيل في بدل الكتابة ، فصار المالان جميعا حالا ، وعليه أخذ المالين : إما الكتابة ، وإما السعاية ، وأحدهما أقل والآخر أكثر ، فلا فائدة في التخيير ; لأنه يختار الأقل لا محالة ، ولأن الواجب عليه إذا كان أحد المالين وأحدهما أكثر من الآخر أو أقل كان الأقل متيقنا به فيلزمه ذلك .

                                                                                                                                وأما فصل المقدار فوجه قول محمد إن بدل الكتابة كله قوبل بكل الرقبة لأن العقد قد انعقد عليه حيث قال : كاتبتك على كذا ، وقد عتق ثلث الرقبة فيسقط عنه ما كان بمقابلته ، وهو ثلث البدل فيبقى الثلثان ، ولأن ثلث مال المولى لو كان مثل كل قيمة العبد لسقط عنه كل بدل الكتابة ، فإذا كان مثل ثلث قيمته يجب أن يسقط ثلث بدل الكتابة فيبقى الثلثان ، فيسعى في الأقل من ثلثي الكتابة ، ومن ثلثي القيمة لما قلنا ، ولهما أن العبد كان استحق ثلث رقبته بالتدبير السابق قبل عقد الكتابة ، فإنه يسلم له ذلك كائنا ما كان فإذا كاتبه بعد ذلك فالبدل لا يقابل القدر المستحق وهو الثلث ، وإنما يقابل الثلثين .

                                                                                                                                فإذا قال كاتبتك على كذا فقد جعل المال بمقابلة ما لا يصح المقابلة به وهو الثلث ، وبمقابلة ما يصح المقابلة به وهو الثلثان فيصرف كل البدل إلى ما يصح المقابلة به وهو الثلثان ، كمن طلق امرأته الحرة تطليقتين ثم طلقها ثلاثا على ألف درهم ، لزمها كل الألف لما قلنا ، وكذا إذا جمع بين من يحل نكاحها وبين من لا يحل نكاحها ، فتزوجها بألف درهم وجبت الألف كلها بمقابلة نكاح من يحل له نكاحها عند أبي حنيفة ، وإذا كان الأمر على ما وصفنا فالثلث وإن عتق عند الموت لكن لا بدل بمقابلته ، وإنما البدل كله بمقابلة الثلثين فلم يسقط من البدل شيء بخلاف ما إذا خرج العبد كله من الثلث ; لأن هناك يسلم له جميع رقبته ، فلزم القول بالبراءة هذا إذا دبر عبده ثم كاتبه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية