الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما التعليق بالملك أو بسببه معنى لا صورة فهو أن يقول الحر : كل مملوك أملكه فيما يستقبل فهو حر ويتعلق العتق بملك يستفيده ; لأنه نص على الاستقبال ، وروى ابن سماعة عن محمد في النوادر إذا قال : كل جارية أشتريها إلى سنة فهي حرة فكل جارية يشتريها إلى سنة فهي حرة ساعة يشتريها قال : وإن قال : كل جارية أشتريها فهي حرة إلى سنة فاشترى جارية لم تعتق إلى سنة ; لأن في الفصل الأول عقد يمينه على الشراء في السنة فتعتق كل جارية يشتريها في السنة ساعة الشراء كأنه قال عند الشراء : أنت حرة فتعتق وفي الفصل الثاني جعل الشراء شرطا لعتق مؤقت بالسنة فكأنه قال بعد الشراء : أنت حرة إلى سنة ، قال : ولو قال : كل مملوك أشتريه فهو حر غدا فهذا عندي على كل مملوك يشتريه قبل الغد وإن اشترى مملوكا غدا لا يعتق ; لأنه جعل الشراء شرطا لزوال حرية مؤقتة بوجود الغد فلا بد من تقدم الملك على الغد لينزل العتق المؤقت به ولو قال : كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة فهذا على ما يستقبل ملكه في الثلاثين سنة أولها : من حين حلف بعد سكوته في قولهم جميعا ولا يكون على ما في ملكه قبل ذلك ; لأنه لما أضاف العتق إلى الاستقبال تعين اللفظ للمستقبل وإذا انصرف إلى الاستقبال لا يحمل على الحال إذ اللفظ الواحد لا ينتظم معنيين مختلفين بخلاف قوله : غدا عند محمد ; لأن ذاك ليس أصلا إلى الاستقبال بل هو إيقاع عتق على موصوف بصفة فيتناول كل من كان على تلك الصفة ، وكذلك إذا قال : كل مملوك أملكه ثلاثين سنة أو في ثلاثين سنة أو قال : أملكه إلى سنة أو سنة أو في سنة أو قال : أملكه أبدا أو إلى أن أموت فهذا كله باب واحد يدخل فيه ما يستقبل دون ما كان في ملكه ; لأنه أضاف الحرية إلى المستقبل فإن قال : أردت بقولي كل مملوك أملكه سنة أن يكون ما في ملكه يوم حلف مستداما سنة دين فيما بينه وبين الله تعالى ، ولم يدين في القضاء ; لأن الظاهر أنه إنما وقت السنة لاستفادة الملك لا لاستمرار الملك القائم فلا يصدق في العدول عن الظاهر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية