الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال لأمته : إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فهذا لا يخلو من أوجه : إما إن علم أيهما ولد أولا بأن اتفق المولى والأمة على أنهما يعلمان ذلك ، وإما إن لم يعلم بأن اتفقا على أنهما لا يعلمان ، وإما إن اختلفا في ذلك .

                                                                                                                                فإن علم أيهما ولد أولا فإن كان الغلام هو الأول فهو رقيق ; لأن المعلق بولادته عتق الأم وهي إنما تعتق بعد الولادة فكان انفصال الولد على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الأم وتعتق الأم بوجود الشرط وتعتق الجارية بعتقها وإن كانت الجارية هي الأولى لم يعتق واحد منهم لعدم شرط العتق وإن لم يعلم فالغلام رقيق على كل حال ; لأنه لا حال له في الحرية أصلا سواء كان متقدما في الولادة أو متأخرا ; لأنه إن كان أولا فذاك شرط عتق أمه لا شرط عتقه ، وعتق أمه لا يؤثر فيه لما بينا ، وإن كانت الجارية أولا فولادتها لم تجعل شرط العتق في حق أحد ; فلم يكن للغلام حال في الحرية رأسا فكان رقيقا على كل حال .

                                                                                                                                وأما الجارية والأم فيعتق من كل واحدة منهما نصفها وتسعى في نصف قيمتها ; لأن كل واحدة منهما تعتق في حال وترق في حال ; لأن الغلام إن كان أولا عتقت الأم والجارية أما الأم فلوجود شرط العتق فيها .

                                                                                                                                وأما الجارية فلعتق الأم ; لأن الأم إذا عتقت ; عتقت الجارية بعتق الأم تبعا لها فعتقتا جميعا وإن كانت الجارية أولا لا يعتقان ; لأنه لم يوجد شرط العتق في الأم ، وإذا لم تعتق الأم ; لا تعتق الجارية لأن عتقها بعتقها فإذا هما يعتقان في حال ويرقان في حال فيتنصف العتق فيهما فيعتق من كل واحدة منهما نصفها على الأصل المعهود لأصحابنا في اعتبار الأحوال عند اشتباهها ، والعمل بالدليلين بقدر الإمكان .

                                                                                                                                وروي عن محمد أنه يستحلف [ ص: 63 ] المولى على علمه بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا فإن نكل عن اليمين عتقت الأم وابنتها وكان الغلام عبدا وإن حلف ; كانوا جميعا أرقاء وكذلك إذا لم يخاصم المولى حتى مات وخوصم وارثه بعده فأقر أنه لا يدري وحلف بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا رقوا ، ، ووجه هذه الرواية أن الأحوال إنما تعتبر عند تعذر البيان والبيان ههنا ممكن بالرجوع إلى قول الحالف فلا تعتبر الأحوال والجواب أنه لا سبيل إلى البيان باليمين ههنا ; لأن الخصمين متفقان على أنهما لا يعلمان الأول منهما فلا يجوز للقاضي أن يكلف المولى الحلف على أنه لا يعلم الأول منهما مع تصادقهما على ذلك ، وإن اختلفا فالقول قول المولى : إن الجارية هي الأولى لأنه ينكر العتق ، ولو قال لأمته : إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدت غلاما وجارية فإن علم أن الغلام كان أولا عتقت الأم والجارية لا غير أما الأم : فلوجود الشرط .

                                                                                                                                وأما الجارية : فلعتق الأم .

                                                                                                                                وأما رق الغلام فلانفصاله على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الأم وإن علم أن الجارية كانت هي الأولى عتقت هي لا غير لأن المعلق بولادتها عتقها لا غير وعتقها لا يؤثر في غيرها وإن لم يعلم أيهما أول فالجارية حرة على كل حال والغلام عبد على كل حال ويعتق نصف الأم وتسعى في نصف قيمتها أما حرية الجارية على كل حال فلأنه لا حال لها في الرق ; لأن الغلام إن كان أولا عتقت الجارية ; لأن أمها تعتق فتعتق هي بعتق الأم وإن كانت الجارية أولا فقد عتقت لوجود شرط العتق في حقها فكانت حرة على كل حال .

                                                                                                                                وأما رق الغلام على كل حال : فلأنه ليس له حال في الحرية سواء ولد أولا أو آخرا .

                                                                                                                                وأما الأم فإنما يعتق نصفها ; لأنها تعتق في حال وترق في حال لأن الغلام إن كان هو الأول تعتق الأم والجارية أيضا بعتق الأم ، وإن كانت الجارية أولا تعتق الجارية لا غير ; لأن المعلق به عتقها لا غير وعتقها لا يتعدى إلى عتق الأم فإذا تعتق الأم في حال ولا تعتق في حال فيعتق نصفها اعتبارا للأحوال وإن اختلفا فالقول قول المولى لما بينا ولو قال لها : إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وإن كان جارية فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فإن علم أن الغلام ولد أولا عتق هو لا غير وإن علم أن الجارية ولدت أولا عتقت الأم والغلام لا غير وإن لم يعلم أيهما ولد أولا فالغلام حر على كل حال ; لأنه لا حال له في الرق سواء كان أولا أو آخرا ، والجارية رقيقة على كل حال ; لأنه لا حال لها في الحرية تقدمت في الولادة أو تأخرت لأن الغلام إن كان هو الأول لا يعتق إلا هو وإن كانت الجارية هي الأولى لا تعتق إلا الأم والغلام فلم يكن للجارية حال في الحرية فبقيت رقيقة والأم يعتق منها نصفها وتسعى في نصف قيمتها ; لأن الجارية إن كانت هي الأولى تعتق الأم كلها وإن كان الغلام هو الأول لا يعتق شيء منها فتعتق في حال ولا تعتق في حال فيعتق نصفها وتسعى في النصف اعتبارا للحالين وعملا بهما بقدر الإمكان وإن اختلفا فالقول قول المولى لما ذكرنا .

                                                                                                                                هذا إذا ولدت غلاما وجارية فأما إذا ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن علم أولهم أنه ابن يعتق هو لا غير ; لأن المعلق عتقه لا غير يعتق هو لا غير عند وجود الشرط ، وإن علم أنه جارية فهي رقيقة ومن سواها أحرار ; لأنه جعل ولادتها أولا شرط حرية الأم فإذا وجد الشرط عتقت الأم ويعتق كل من ولد بعد ذلك بعتق الأم تبعا لها وإن لم يعلم من كان أولهم يعتق من الغلامين كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من الأم نصفها وتسعى في نصف قيمتها ويعتق من البنتين من كل واحدة منهما ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها ، وإنما كان كذلك أما الغلامان فلأن أول من ولدت إن كان غلاما عتق الغلام كله لوجود الشرط وإن كان جارية عتق الغلامان لأن الأم تعتق ويعتق كل من ولد بعد ذلك وهم الغلامان والجارية الأخرى وقد تيقنا بحرية أحد الغلامين وشككنا في الآخر وله حالتان : يعتق في حال ، ولا يعتق في حال فيجعل ذلك نصفين فيعتق غلام واحد ونصف من الآخر ولا يعلم أيهما عتق كله وأيهما عتق نصفه فاستويا في ذلك وليس أحدهما في ذلك بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته .

                                                                                                                                وأما الأم فإنها تعتق في حال ولا تعتق في حال ; لأن أول ما ولدت إن كان غلاما لا تعتق أصلا وإن كان جارية تعتق فتعتق في حال وترق في حال فيعتق نصفها وتسعى في نصفها .

                                                                                                                                وأما الجاريتان فإحداهما أمة بلا شك ; لأن أول ما ولدت إن كان غلاما فهما رقيقان [ ص: 64 ] وإن كانت جارية فإن الأولى لا تعتق وتعتق الأخرى بعتق الأم فإذا في حالة لهما حرية واحدة وفي حالة لا شيء لهما فيثبت لهما نصف ذلك وليست إحداهما بأولى من الأخرى فيصير ذلك بينهما نصفين وهو ربع الكل فيعتق من كل واحدة منهما ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية