الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        ولها شروط أربعة وعشرون :

                        ( الأول ) : أن تكون مؤثرة في الحكم ، فإن لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة .

                        هكذا قال جماعة من أهل الأصول ، ومرادهم بالتأثير : المناسبة ، قال القاضي في التقريب : معنى كون العلة مؤثرة في الحكم هو أن يغلب على ظن المجتهد أن الحكم حاصل عند ثبوتها لأجلها ، دون شيء سواها .

                        وقيل معناه : أنها جالبة للحكم ، ومقتضية له .

                        ( الثاني ) : أن تكون وصفا ضابطا ، بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع ، لا حكمة مجردة لخفائها ، فلا يظهر إلحاق غيرها بها .

                        [ ص: 607 ] وهل يجوز كونها نفس الحكم ، وهي الحاجة إلى جلب مصلحة ، أو دفع مفسدة ، قال الرازي في المحصول : يجوز . وقال غيره : يمتنع .

                        وقال آخرون : إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها ، واختاره الآمدي ، والصفي الهندي .

                        واتفقوا على جواز التعليل بالوصف المشتمل عليها ، أي مظنتها بدلا عنها ، ما لم يعارضه قياس .

                        ( الثالث ) : أن تكون ظاهرة جلية ، وإلا لم يمكن إثبات الحكم بها في الفرع ، على تقدير أن تكون أخفى منه ، أو مساويا له في الخفاء .

                        كذا ذكره الآمدي في جدله .

                        ( الرابع ) : أن تكون سالمة بحيث لا يردها نص ، ولا إجماع .

                        ( الخامس ) : أن لا يعارضها من العلل ما هو أقوى منها .

                        ووجه ذلك : أن الأقوى أحق بالحكم ، كما أن النص أحق بالحكم من القياس .

                        ( السادس ) : أن تكون مطردة ، أي كلما وجدت وجد الحكم ، لتسلم من النقض والكسر ، فإن عارضها نقض أو كسر بطلت .

                        ( السابع ) : أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي ، أي لا يبطل الحكم الوجودي بالوصف العدمي ، قاله جماعة .

                        وذهب الأكثرون إلى جوازه .

                        قال المانعون : لو كان العدم علة للحكم الثبوتي ; لكان مناسبا أو مظنة ، واللازم باطل . وأجيب بمنع بطلان اللازم .

                        ( الثامن ) : أن لا تكون العلة المتعدية هي المحل ، أو جزءا منه ; لأن ذلك يمنع من تعديتها .

                        ( التاسع ) : أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة ، والمراد انتفاء العلم أو الظن به ، إذ لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول .

                        [ ص: 608 ] ( العاشر ) : أن تكون أوصافها مسلمة ، أو مدلولا عليها ، كذا قال الأستاذ أبو منصور .

                        ( الحادي عشر ) : أن يكون الأصل المقيس عليه معللا بالعلة التي يعلق عليها الحكم في الفرع ، بنص أو إجماع ( كذا قال الأستاذ أبو منصور ) .

                        ( الثاني عشر ) : أن لا تكون موجبة للفرع حكما ، وللأصل حكما آخر غيره .

                        ( الثالث عشر ) : أن لا توجب ضدين ; لأنها حينئذ تكون شاهدة لحكمين متضادين ، قاله الأستاذ أبو منصور .

                        ( الرابع عشر ) : أن لا يتأخر ثبوتها عن ثبوت حكم الأصل ، خلافا لقوم .

                        ( الخامس عشر ) : أن يكون الوصف معينا ; لأن رد الفرع إليها لا يصح إلا بهذه الواسطة .

                        ( السادس عشر ) : أن يكون طريق إثباتها شرعيا كالحكم .

                        ذكره الآمدي في جدله .

                        ( السابع عشر ) : أن لا يكون وصفا مقدرا .

                        قال الهندي : ذهب الأكثرون إلى أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة ، خلافا للأقلين من المتأخرين .

                        ( الثامن عشر ) : إن كانت مستنبطة ، فالشرط أن ترجع على الأصل بإبطاله ، أو إبطال بعضه ، لئلا يفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح ، إذ الظن المستفاد من النص أقوى من الظن المستفاد من الاستنباط; لأنه فرع له ، والفرع لا يرجع على إبطال أصله ، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال .

                        [ ص: 609 ] ( التاسع عشر ) : إن كانت مستنبطة ، فالشرط أن لا تعارض بمعارض مناف موجود في الأصل .

                        ( العشرون ) : إن كانت مستنبطة فالشرط أن لا تتضمن زيادة على النص ، أي حكما غير ما أثبته النص .

                        ( الحادي والعشرون ) : أن لا تكون معارضة لعلة أخرى ، تقتضي نقيض حكمها .

                        ( الثاني والعشرون ) : إذا كان الأصل فيه شرط ; فلا يجوز أن تكون العلة موجبة لإزالة ذلك الشرط .

                        ( الثالث والعشرون ) : أن لا يكون الدليل الدال عليها متناولا لحكم الفرع ، لا بعمومه ولا بخصوصه ، للاستغناء حينئذ عن القياس .

                        ( الرابع والعشرون ) : أن لا تكون مؤيدة لقياس أصل منصوص عليه بالإثبات على أصل منصوص عليه بالنفي .

                        فهذه شروط العلة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية