الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              أخبرني جعفر بن محمد - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن نصر ، ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول هذا ويتمثل به إذا خلا في جوف الليل بصوت حزين موجع للقلوب :


              ومتى أنت صغيرا وكبيرا أخو علل فمتى ينقضي الردى ومتى ويحك العمل ؟



              ثم يقول : يا نفس إياك والغرة بالله ، فقد قال الصادق : ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) ، ثم قال : وسمعت إبراهيم بن أدهم ، يقول : مررت ببعض بلاد الشام فرأيت مقبرة ، وإذا قبر عال مشرف عليه كتاب ، فقرأته فإذا فيه عبرة وكلام حسن ، وكان يقول كثيرا :


              ما أحد أكرم من مفرد     في قبره أعماله تؤنسه


              منعم في القبر في روضة     زينها الله فهي مجلسه



              [ ص: 12 ] قال : وحدثني إبراهيم ، قال : مررت في بعض بلاد الشام فإذا حجر مكتوب عليه نقش بين بالعربية والحجر عظيم :


              كل حي وإن بقي     فمن العيش يستقي
              فاعمل اليوم واجتهد     واحذر الموت يا شقي

              قال : فبينا أنا واقف ، أقرؤه وأبكي ، فإذا أنا برجل أشعث أغبر ، عليه مدرعة من شعر ، فسلم علي فرددت عليه السلام ، فرأى بكائي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : قرأت هذا النقش فأبكاني ، قال : وأنت لا تتعظ وتبكي حتى توعظ ؟ ثم قال : سر معي حتى أقريك غيره ، فمضيت معه غير بعيد ، فإذا أنا بصخرة عظيمة شبيهة بالمحراب ، قال : اقرأ وابك ولا تعص ، ثم قام يصلي وتركني ، وإذا في أعلاه نقش بين عربي :


              لا تبغين جاها وجاهك ساقط     عند المليك وكن لجاهك مصلحا



              وفي الجانب الآخر نقش بين عربي :


              من لم يثق بالقضاء والقدر     لاقى هموما كثيرة الضرر

              .

              وفي الجانب الأيسر منه نقش بين عربي :

              ما أزين التقى وما أقبح الخنا     وكل مأخوذ بما جنى
              وعند الله الجزا



              وفي أسفل المحراب فوق الأرض بذراع أو أكثر :


              وإنما العز والغنى     في تقى الله والعمل



              فلما تدبرته وفهمته التفت إلى صاحبي فلم أره ، فلا أدري مضى أو حجب عني ؟

              قال : وسمعت إبراهيم بن أدهم ، يقول هذا كثيرا وكان مدمنا :


              لما تعد الدنيا به من شرورها     يكون بكاء الطفل ساعة يوضع
              وإلا فما يبكيه منها وإنها     لأروح مما كان فيه وأوسع
              إذا أبصر الدنيا استهل كأنما     يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع

              .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية