الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( وجه تفسير مفاتح الغيب بهذه الخمس ) .

                          لم أر لأحد كلاما في وجه تفسير مفاتح الغيب بالخمس المذكورة في آخر سورة لقمان ، وكنت قد فكرت في ذلك في أيام طلبي للعلم ، فظهر لي أن علم الله تعالى بجميع الموجودات علم شهادة ، وعلمه بما لم يوجد علم غيب ، وأن ما لم يوجد فخزائنه أو مفاتيح خزائنه التي يستفيد الناس من بيانها هي تلك الخمس ، وهي لم تذكر بصيغة الحصر ، وقد بينت ذلك في كتابي " الحكمة الشرعية " الذي ألفته في عهد الطلب في سياق البحث في الكشف عن أنواع كرامات الأولياء ، وبعد ذكر الآية والحديث في تفسيرها بتلك الخمس قلت ما نصه :

                          ثم إنه لا يخفى أن معلومات الله تعالى الغيبية لا تدخل تحت الحصر ، فما معنى تخصيص هذه الخمس بالذكر مع كونها مما قد يطلع بعض عباده على بعضه ؟ وما معنى كونها مفاتح الغيب ؟ وأجيب بأن هذه الخمس هي التي كانوا يدعون علمها ، والعدد لا مفهوم له على الراجح فلا ينفي زائدا على المذكور . ( قلت ) : وهذا لا يدل على كونها مفاتح الغيب ، وقد فتح الله عز وجل علي بفهم معنى لطيف في كون هذه الخمس مفاتح أو مفاتيح للغيب . وعرضته على مشايخي كالأستاذ الشيخ محمد القاوقجي ، والعلامة الشيخ محمد نشابة وغيرهما فأعجبوا به ، وهو أن المفاتح جمع مفتح بفتح الميم أو كسرها ، بمعنى الخزائن أو المفاتيح ، والغيب ما غاب عن الوجود أو الشهود ، وهو عالم البرزخ ، وعالم الآخرة ، وبعض عالم الدنيا وهو النبات الذي لم يوجد ، والحيوان الذي لم يولد ، وكسب الأنفس الذي يحصل في المستقبل ، وفي قوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) إشارة إلى جميع ذلك ، فالساعة مفتاح عالم الآخرة ، والغيث مفتاح عالم النبات ، وما في الأرحام مفتاح عالم الحيوان ، وقوله : ( وما تدري نفس ) ظاهر في مفتح الكسب والأعمال ، وقوله تعالى : ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) أي كما لا تدري بأي وقت إشارة بالموت إلى عالم [ ص: 391 ] البرزخ ، وبعبارة أخرى : العوالم ثلاثة ، الأول : القريب الداني الذي نقيم فيه قبل الموت . والآخر : الذي نقيم فيه بعد الموت أبدا إلى غير نهاية ، والثالث : الوسط بينهما ، وهو ما نقيم فيه بين العالمين حتى يتم جمعنا بانتهاء الدنيا ، ونفد على الله تعالى جميعا ، فالثاني والثالث من الغيب الذي ليس مشهودا لنا ، ومفتحهما الساعة والموت ، وأما الأول فمنه ما هو مشهود لنا ولا يحصل فيه زيادة يبرزها الله تعالى من العدم كالأحجار والمعادن ونحوها من الموجودات التي وجدت في الكون تدريجا أو دفعة واحدة ، ومنه ما هو غيب وهو ما يتجدد بصورة مخصوصة لم تكن مشهودة ، وهو النبات ومفتحه الغيث ، والحيوان ومفتحه الأرحام غالبا أو عبر بها عنه ، وكسب الحيوان وعمله ، وهو مفتح وخزانة من خزائن الغيب . اهـ .

                          ثم ذكرت هنالك ما يرد على حصر المفاتح بهذه الخمس أو تخصيصها بالذكر ، وأجبت وفي العبارة شيء من الضعف ، وهي من القسم الذي لا يزال مسودة من ذلك الكتاب الذي كان أول تمرين لنا على التأليف والإنشاء ، فإننا لم نتعلم الإنشاء تعلما . وفي حاشيتها تعليق على كلمة " ومفتحه الأرحام غالبا " وجعل نحو دود الفاكهة والخل من غير الغالب بينا فيه ما ثبت عند المتأخرين من كون الحي لا يولد إلا من حي مثله ، فما كان يقال في بحث التولد الذاتي من تولد دود الفاكهة منها وكذا الخل ، وتولد الفأرة من التراب - كله باطل .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية