الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( بيان ما أخطأ فيه مثبتو القياس ) .

                          ثم إن ابن القيم بين أنواع الخطأ الذي وقع فيه مثبتو القياس والرأي في الأحكام الشرعية ، وقفى على ذلك بما هو فصل الخطاب عنده في المسألة فقال :

                          ( فصل ) وأما أصحاب الرأي والقياس فإنهم لما لم يعتنوا بالنصوص ولم يعتقدوها وافية بالأحكام ولا شاملة لها ، وغلاتهم على أنها لم تف بعشر معشارها فوسعوا طرق الرأي والقياس وقالوا بقياس الشبه ، وعلقوا الأحكام بأوصاف لا يعلم أن الشارع علقها بها ، واستنبطوا عللا لا يعلم أن الشارع شرع الأحكام لأجلها ، ثم اضطرهم ذلك إلى أن عارضوا بين كثير من النصوص والقياس ، ثم اضطربوا فتارة يقدمون القياس وتارة يفرقون بين النص المشهور وغير المشهور ، واضطرهم ذلك أيضا إلى أن اعتقدوا في كثير من الأحكام أنها شرعت على خلاف القياس فكان خطؤهم من خمسة أوجه .

                          " الأول : ظنهم قصور النصوص عن بيان جميع الحوادث .

                          " الثاني : معارضة كثير من النصوص بالرأي والقياس .

                          " الثالث : اعتقادهم في كثير من أحكام الشريعة أنها على خلاف الميزان والقياس ، والميزان هو العدل ، فظنوا أن العدل خلاف ما جاءت به هذه الأحكام .

                          " الرابع : اعتبارهم عللا وأوصافا لم يعلم اعتبار الشارع لها ، وإلغاؤهم عللا وأوصافا اعتبرها الشارع كما تقدم بيانه .

                          " الخامس : تناقضهم في نفس القياس كما تقدم أيضا . ونحن نعقد هاهنا ثلاثة فصول : " الفصل الأول في بيان شمول النصوص للأحكام والاكتفاء بها عن الرأي والقياس . [ ص: 143 ] " الفصل الثاني في سقوط الرأي والاجتهاد والقياس وبطلانها مع وجود النص " .

                          " الفصل الثالث في بيان ( أن ) أحكام الشرع كلها على وفق القياس الصحيح " وليس فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم يخالف الميزان والقياس الصحيح . وهذه الفصول الثلاثة من أهم فصول الكتاب ، وبها يتبين للعالم المنصف مقدار الشريعة وجلالتها وهنيتها وسعتها وفضلها وشرفها على جميع الشرائع ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو عام الرسالة إلى كل مكلف ، فرسالته عامة في كل شيء من الدين أصوله وفروعه ودقيقه وجليله ، فكما لا يخرج أحد عن رسالته فكذلك لا يخرج حكم تحتاج إليه الأمة عنه وعن بيانه له ، ونحن نعلم أنا لا نوفي هذه الفصول حقها ولا نقارب ، وأنها أجل من علومنا ، وفوق إدراكنا ، ولكن ننبه أدنى تنبيه ونشير أدنى إشارة إلى ما نفتح أبوابها وننهج طرقها والله المستعان وعليه التكلان " اهـ .

                          أقول : إننا لم نجد في الكتاب إلا فصلين من هذه الثلاثة التي وعد بها ، الأول في شمول النصوص وإغنائها على القياس ، والثاني في بيان أحكام الشرع كلها على وفق القياس الصحيح والميزان المستقيم والموافقة لعقول البشر ومصالحهم ، ولا ندري أسقط الفصل الذي بين فيه سقوط الرأي والاجتهاد والقياس مع وجود النص ؟ أم أغفل كتابته بعد الوعد به نسيانا للوعد واكتفاء باتفاق العلماء على المسألة ، وكون من يعتد بدينه وعلمه من أهل الرأي والقياس كربيعة وأبي حنيفة والشافعي لم يثبتوا حكما في مسألة فيها نص بالقياس إلا إذا كانوا غير عالمين بالنص أو غير ثابت عندهم ، أو لم يفهموا الحكم منه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية