الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4504 [ 2374 ] وعن مسروق قال : كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث إليه، فذكرنا يوما عبد الله بن مسعود، فقال : لقد ذكرتم رجلا لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خذوا القرآن من أربعة نفر : من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة" .

                                                                                              وفي رواية : ثنى بأبي وأخر معاذا .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 190 ) ، والبخاري (3808)، ومسلم (2464) (116 و 117)، والترمذي (3810).

                                                                                              [ ص: 376 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 376 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " خذوا القرآن من أربعة : من ابن أم عبد ") - فبدأ به - ليس فيه دليل على أنه أقرأ من أبي ، فإنه قد بين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنص الجلي : أن أبيا أقرأ منه ومن غيره ، فيحتمل أن يقال : إن الموجب لابتدائه اختصاصه به ، وملازمته إياه ، وحضوره في ذهنه ، لا أنه أقرأ الأربعة . والله تعالى أعلم .

                                                                                              وهذا كله بناء على أن المقدم من المعطوفات له مزية على المتأخر ، وفيه نظر قد تقدم في الطهارة وفي الحج . وتخصيص هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم ممن حفظ القرآن من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وهم عدد كثير كما يأتي ، لأن هؤلاء الأربعة هم الذين تفرغوا لإقراء القرآن وتعليمه دون غيرهم ممن اشتغل بغير ذلك من العلوم ، أو العبادات ، أو الجهاد ، وغير ذلك ، ويحتمل أن يكون ذلك من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه علم أنهم هم الذين ينتصبون لتعليم الناس القرآن بعده ، وليؤخذ عنهم ، فأحال عليهم لما علم من مآل أمرهم ، كما قد أظهر الموجود من حالهم ، إذ هم أئمة القراء ، وإليهم تنتهي في الغالب أسانيد الفضلاء ، والله أعلم .

                                                                                              ومعاذ المذكور في الحديث : هو معاذ بن جبل بن أوس الأنصاري الخزرجي ، يكنى : أبا عبد الرحمن ، قيل : بولد كان له كبر إلى أن قاتل مع أبيه في اليرموك ، ومات بالطاعون قبل أبيه بأيام ، على ما ذكره محمد بن عبد الله الأزدي البصري في " فتوح الشام " وغيره . وقال الواقدي : إنه لم يولد لمعاذ قط ، وقاله المدائني . أسلم معاذ وهو ابن ثماني عشرة سنة ، وشهد العقبة مع السبعين ، وشهد بدرا ، وجميع المشاهد ، وولاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عمل من أعمال اليمن ، وخرج معه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مودعا ماشيا ، ومعاذ راكبا ، منعه من أن ينزل ، وقال فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [ ص: 377 ] " أعلمكم بالحلال والحرام معاذ " . وقال : " إنه يسبق العلماء يوم القيامة رتوة بحجر " ، وقال فيه ابن مسعود : " إنه كان أمة قانتا لله ، وقال : الأمة : هو الذي يعلم الناس الخير ، والقانت : هو المطيع لله عز وجل ، وكان عابدا ، مجتهدا ، ورعا ، محققا ، كان له امرأتان ، فإذا كان يوم إحداهما : لم يشرب من بيت الأخرى ، وماتتا بالطاعون في وقت واحد ، فحفر لهما حفرة فأسهم بينهما أيتهما يقدم في القبر ، وكان مجاب الدعوة ، ولما كان طاعون عمواس - وعمواس قرية من قرى الشام ، وكأنها إنما نسب الطاعون إليها ، لأنه أول ما نزل فيها - فقال بعض الناس : هذا عذاب ، فبلغ ذلك معاذا فأنكر ذلك ، وخطب فقال : أيها الناس ! إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم . اللهم آت آل معاذ من هذه الرحمة النصيب الأوفى . فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن ، وماتت زوجتاه ، ثم طعن من الغد من دفن ولده ، فاشتد وجعه فمات منه ، وذلك في سنة سبع عشرة ، وقيل : سنة ثمان عشرة ، وسنه يومئذ ثمان وثلاثون سنة ، وقيل : ثلاث وثلاثون سنة ، روي عنه من الحديث : مائة حديث ، وسبعة وخمسون حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين ستة أحاديث .

                                                                                              وسالم المذكور في الحديث ، هو سالم بن معقل ، مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، يكنى سالم : أبا عبد الله ، وكان من أهل فارس من إصطخر ، وكان من [ ص: 378 ] فضلاء الموالي ، ومن خيار الصحابة وكبرائهم ، وهو معدود في المهاجرين ، لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة ، وهي عمرة بنت يعار . وقيل : سلمى ، وقيل : غير ذلك ، تولى أبا حذيفة فتبناه أبو حذيفة ، وهو أيضا معدود في الأنصار ، لعتق مولاته المذكورة له وهي أنصارية ، وهو معدود في القراء ، قيل : إنه هاجر مع عمر بن الخطاب ونفر من الصحابة من مكة ـ رضي الله عنهم ـ ، فكان يؤمهم ، لأنه كان أكثرهم قرآنا ، وكان يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر بن الخطاب ، شهد سالم بدرا ، وقتل يوم اليمامة ومولاه أبو حذيفة . فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر ، وذلك سنة اثنتي عشرة .




                                                                                              الخدمات العلمية