الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو بردة لا أجد إلا جذعا يا رسول الله قال وإن لم تجد إلا جذعا فاذبح [ ص: 110 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 110 ] 3 - باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام

                                                                                                          1044 1029 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) بن قيس بن عمرو الأنصاري ( عن بشير ) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغر ( بن يسار ) بفتح التحتية وخفة المهملة الحارثي مولى الأنصار المدني الثقة الفقيه من أواسط التابعين .

                                                                                                          ( أن أبا بردة ) وفي رواية معن عن أبي بردة بضم الموحدة اسمه هانئ ( بن نيار ) بكسر النون وتحتية خفيفة الأنصاري خال البراء بن عازب وقيل عمه والأول أشهر ، وقيل اسمه مالك بن هبيرة والأول أصح ، وقيل الحارث بن عمرو وخطئ قائله ، وشبهته قول البراء : لقيت خالي الحارث بن عمرو ، لكن يحتمل أن يكون خالا آخر له وهو الأشبه ، شهد أبو بردة بدرا وما بعدها وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعنه البراء وجابر بن عبد الله وابنه عبد الرحمن بن جابر وكعب بن عمير بن عقبة بن نيار وبشير بن يسار ويقال لم يسمع منه وليس كذلك فسماعه ممكن ، وشهد مع علي حروبه كلها ، ومات سنة إحدى وقيل اثنتين وقيل خمس وأربعين .

                                                                                                          ( ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى ) وفي الصحيحين عن البراء قال : " خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ، وفي رواية : يوم الأضحى بعد الصلاة فقال : من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب السنة ، ومن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم ، فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله نسكت شاتي قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تلك شاة لحم " وفي حديث أنس في الصحيحين فقال : " يا رسول الله إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم " ؛ أي : لجري العادة بكثرة الذبح فيه فتتشوف له النفس التذاذا به .

                                                                                                          ( فزعم ) ؛ أي : قال أبو بردة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يعود بضحية أخرى ) أطلق على الأولى اسم الضحية لأنه ذبحها على أنها ضحية فله فيها ثواب وإن لم تكن ضحية لكونه قصد جبر جيرانه والتوسعة على أهله ، أو لأن صورتها صورة الضحية لأنه ذبحها في يوم الأضحى .

                                                                                                          ( قال أبو بردة : لا أجد إلا جذعا ) بجيم وذال معجمة مفتوحتين وعين مهملة ، زاد في رواية للبخاري عن البراء " من المعز " وهي ما استكمل سنة ولم يدخل في الثانية ، وفيه كما قال الباجي : أن أبا بردة علم أن الجذع يتعلق به حكم [ ص: 111 ] المنع إما لأنه لا يجزئ أو لأن غيره أفضل منه .

                                                                                                          ( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإن لم تجد إلا جذعا فاذبح ) يحتمل أنه أوجب ذلك عليه وعلى ابن أشقر لئلا يشتغل الناس بالذبح عن الصلاة مع الإمام أو لفعلهما ذلك قبله - صلى الله عليه وسلم - لأن فيه مخالفة الإمام ، كذا قال أبو عبد الملك .

                                                                                                          وفي حديث البراء في الصحيحين فقال : " عندي عناق جذعة هي خير من شاتي لحم فهل تجزي عني ؟ قال : نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك " ؛ أي : غيرك لأنه لا بد في تضحية المعز من الثنية ، ففيه تخصيص أبي بردة بإجزاء ذلك عنه .

                                                                                                          لكن في الصحيحين عن عقبة بن عامر قال : " قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله صارت لي جذعة قال : ضح بها " زاد في رواية البيهقي : " ولا رخصة فيها لأحد بعدك " قال البيهقي : إن كانت هذه اللفظة محفوظة ؛ أي : ليست بشاذة كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبي بردة .

                                                                                                          قال الحافظ : وفي هذا الجمع نظر لأن في كل منهما صيغة عموم ؛ أي : وهو نفي الإجزاء عن غير المخاطب في كل منهما ، فأيهما تقدم على انتفاء الوقوع للثاني ، ويحتمل الجمع بأن خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني لا مانع من ذلك لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحا .

                                                                                                          وإن تعذر الجمع بين حديثي أبي بردة وعقبة فحديث أبي بردة أصح مخرجا ؛ أي : لاتفاق الشيخين عليه فيقدم على حديث عقبة ولا سيما وقد روياه بدون زيادة البيهقي وإن كان حديث عقبة عنده من مخرج الصحيح لأنه لا يلزم من إخراجهما لرجاله أن يكون مثل تخريجهما بالفعل وفيه أن الذبح لا يجزي قبل الصلاة وهو إجماع لقوله : " ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم " وذهب مالك والشافعي والأوزاعي أنه لا يجوز بعدها ، وقبل ذبح الإمام لحديث مسلم عن جابر : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم النحر بالمدينة فسبقه رجال فنحروا وظنوا أنه قد نحر فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر " .

                                                                                                          وقال الحسن في قوله تعالى : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( سورة الحجرات : الآية 1 ) نزلت في قوم ذبحوا قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم أن يعيدوا ، أخرجه ابن المنذر .

                                                                                                          وجوز أبو حنيفة والليث الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام لحديث البراء مرفوعا : " من نسك قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم " وحديث : " من ذبح قبل الصلاة فليعد " ولا حجة في هذا فليس في نهيه عن الذبح قبل الصلاة دليل على جوازه بعدها وقبل ذبح الإمام هذا لو لم يكن نص فكيف والنص ثابت عن جابر بأمره - عليه السلام - من ذبح قبله بالإعادة ؟ وفيه أن له - صلى الله عليه وسلم - أن يخص من شاء بما شاءكجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين ، وترخيصه في النياحة لأم عطية ، وترك الإحداد لأسماء بنت عميس لما مات زوجها جعفر بن أبي طالب ، وإنكاح ذلك الرجل المرأة بما معه من القرآن فيما ذكره جماعة كأبي حنيفة وأحمد ومالك وهو أحد قولين مرجحين [ ص: 112 ] عند أصحابه وجوزه الشافعي ، وترخيصه في إرضاع سالم مولى أبي حذيفة وهو كبير ، وفي تعجيل صدقة عامين للعباس ، وفي الجمع بين اسمه وكنيته للولد الذي يولد لعلي بعده ، وفي المكث في المسجد جنبا لعلي ، وفي فتح باب من داره في المسجد له ، وفي فتح خوخة فيه لأبي بكر ، وأكل المجامع في رمضان من كفارة نفسه ، وفي لبس الحرير للزبير وعبد الرحمن بن عوف فيما قاله جماعة ، وفي لبس خاتم الذهب للبراء بن عازب ، وفي قبول الهدية لمعاذ لما بعثه إلى اليمن .




                                                                                                          الخدمات العلمية