الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ( 105 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم يأت ) : " يوم " ظرف ، والعامل فيه " تكلم " مقدرة ; والتقدير : لا تكلم نفس فيه .

[ ص: 42 ] ويجوز أن يكون العامل فيه " نفس " وهو أجود .

ويجوز أن يكون مفعولا لفعل محذوف ; أي اذكروا يوم يأتي ، ويكون " تكلم " صفة له . والعائد محذوف ; أي لا تكلم فيه ، أو لا تكلمه .

ويجوز أن يكون منصوبا على إضمار أعني .

وأما فاعل " يأتي " فضمير يرجع على قوله : ( يوم مجموع له الناس ) : ولا يرجع على " يوم " المضاف إلى يأتي ; لأن المضاف إليه كجزء من المضاف ; فلا يصح أن يكون الفاعل بعض الكلمة ; إذ ذلك يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه ; والجيد إثبات الياء ; إذ لا علة توجب حذفها ، وقد حذفها بعضهم اكتفاء بالكسرة عنها ، وشبه ذلك بالفواصل ; ونظير ذلك ( ما كنا نبغ ) [ الكهف : 64 ] - ( والليل إذا يسر ) [ الفجر : 4 ] .

( إلا بإذنه ) : قد ذكر نظيره في آية الكرسي .

قال تعالى : ( فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( 106 ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ( 107 ) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ( 108 ) ) .

قوله تعالى : ( لهم فيها زفير ) : الجملة في موضع الحال ، والعامل فيها الاستقرار الذي في " ففي النار " أو نفس الظرف . ويجوز أن يكون حالا من النار .

( خالدين فيها ) : خالدين : حال ، والعامل فيها " لهم " أو ما يتعلق به .

( ما دامت ) : في موضع نصب ; أي مدة دوام السماوات . و " دام " هنا تامة .

( إلا ما شاء ) : في هذا الاستثناء قولان :

أحدهما : هو منقطع . والثاني : هو متصل .

ثم في " ما " وجهان ; أحدهما : هي بمعنى " من " والمعنى على هذا أن الأشقياء من الكفار والمؤمنين في النار ، والخارج منهم منها الموحدون .

وفي الآية الثانية يراد بالسعداء الموحدون ، ولكن يدخل منهم النار العصاة ، ثم يخرجون منها . فمقتضى أول الآية أن يكون كل الموحدين في الجنة من أول الأمر . ثم استثنى من هذا العموم العصاة ; فإنهم لا يدخلونها في أول الأمر . والوجه الثاني : أن " ما " على بابها ; والمعنى : أن الأشقياء يستحقون النار من حين قيامهم من قبورهم ، ولكنهم يؤخرون عن إدخالها مدة الموقف . والسعداء يستحقون الجنة ويؤخرون عنها مدة الموقف ، و ( خالدين ) على هذا حال مقدرة ; وفيها في الموضعين تكرير عند قوم ; إذ الكلام يستقل بدونها .

[ ص: 43 ] وقال قوم " فيها " يتعلق بخالدين ، وليست تكريرا وفي الأولى يتعلق بمحذوف . و ( عطاء ) : اسم مصدر ; أي إعطاء لذلك ; ويجوز أن يكون مفعولا ; لأن العطاء بمعنى المعطى .

( سعدوا ) : بفتح السين وهو الجيد ; وقرئ بضمها وهو ضعيف ، وقد ذكر فيها وجهان ; أحدهما : أنه على حذف الزيادة ; أي أسعدوا ، وأسسه قولهم : رجل مسعود .

والثاني : أنه مما لازمه ومتعديه بلفظ واحد ، مثل شحا فاه ، وشحا فوه ، وكذلك سعدوا وسعدته ، وهو غير معروف في اللغة ، ولا هو مقيس .

قال تعالى : ( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ( 109 ) ) .

قوله تعالى : ( غير منقوص ) : حال ; أي وافيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية