الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الابنة التي أراد بنو هشام بن المغيرة أن يزوجوها من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هي العوراء بنت أبي جهل بن هشام بن المغيرة، والله أعلم .

ومنها : العم والعمة ونحوهما : من ذلك : رافع بن خديج عن عمه، في حديث المخابرة، عمه هو ظهير بن رافع الحارثي الأنصاري .

زياد بن علاقة عن عمه: هو قطبة بن مالك الثعلبي بالثاء المثلثة .

عمة جابر بن عبد الله التي جعلت تبكي أباه يوم أحد: اسمها فاطمة بنت عمرو بن حرام ، وسماها الواقدي هندا، والله أعلم .

ومنها : الزوج والزوجة :

من ذلك حديث سبيعة الأسلمية أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال، زوجها هو سعد بن خولة الذي رثى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة، وكان بدريا.

زوج بروع بنت واشق وهي بفتح الباء عند أهل اللغة، وشاع في ألسنة أهل الحديث كسرها، زوجها اسمه هلال بن مرة الأشجعي على ما رويناه من غير وجه .

زوجة عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي - التي كانت تحت رفاعة بن سموال القرظي فطلقها ، اسمها تميمة بنت وهيب ، وقيل : تميمة بضم التاء، وقيل : سهيمة، والله أعلم .

النوع الموفي ستين

معرفة تواريخ الرواة: وفيها معرفة وفيات الصحابة والمحدثين والعلماء ومواليدهم ومقادير أعمارهم، ونحو ذلك .

روينا عن سفيان الثوري أنه قال: "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ" أو كما قال.

وروينا عن حفص بن غياث أنه قال: "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين" يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه .

وهذا كنحو ما رويناه عن إسماعيل بن عياش قال: "كنت بالعراق، فأتاني أهل الحديث، فقالوا : هاهنا رجل يحدث عن خالد بن معدان، فأتيته، فقلت : أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال : سنة ثلاث عشرة - يعني ومائة - فقلت : أنت تزعم أنك سمعت من خالد بن معدان بعد موته بسبع سنين؟ قال إسماعيل : مات خالد سنة ست ومائة ".

قلت : وقد روينا عن عفير بن معدان قصة نحو هذه جرت له مع بعض من حدث عن خالد بن معدان، ذكر عفير فيها أن خالدا مات سنة أربع ومائة .

وروينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: "لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي، وحدث عن عبد بن حميد، سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة".

وبلغنا عن أبي عبد الله الحميدي الأندلسي أنه قال ما تحريره : "ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهمم بها: العلل، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الدارقطني، والمؤتلف والمختلف، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب ابن ماكولاء، ووفيات الشيوخ، وليس فيه كتاب".

قلت : فيها غير كتاب، ولكن من غير استقصاء وتعميم.

وتواريخ المحدثين مشتملة على ذكر الوفيات، ولذلك ونحوه سميت تواريخ، وأما ما فيها من الجرح والتعديل ونحوهما فلا يناسب هذا الاسم، والله أعلم .

ولنذكر من ذلك عيونا:

أحدها : الصحيح في سن سيدنا سيد البشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر - ثلاث وستون سنة، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ضحى لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة .

[ ص: 1369 ] [ ص: 1370 ] [ ص: 1371 ]

التالي السابق


[ ص: 1369 ] [ ص: 1370 ] [ ص: 1371 ] النوع الموفي ستين

معرفة تواريخ الرواة.

247 - قوله: (وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين، ضحى، لاثنتي عشرة [ ص: 1372 ] ليلة خلت من شهر ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة ) انتهى

وفيه أمران:

أحدهما: أنه لا يصح أن يكون الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة يوم الاثنين بوجه من الوجوه؛ وذلك لاتفاقهم على أن حجة الوداع كان يوم عرفة فيها يوم الجمعة؛ لحديث عمر المتفق عليه، وإذا كان كذلك فإن كانت الأشهر الثلاثة -وهي ذو الحجة والمحرم وصفر كوامل، فيكون ثاني عشر شهر ربيع الأول يوم الأحد، وإن كانت أو بعضها ناقصة فيكون الثاني عشر من شهر ربيع الأول إما الخميس أو الجمعة أو السبت، وهذا الاستشكال ذكره السهيلي في كتاب "الروض الأنف" وقال: "لم أر أحدا تفطن له" انتهى.

قال: "وهذا الاستشكال لا محيص عنه" وقد رأيت لبعض العلماء عنه جوابا، فأخبرني قاضي القضاة عز الدين بن جماعة -رحمه الله- أن والده كان يحمل قول الجمهور: "لاثنتي عشرة ليلة خلت منه" أي بأنها كاملة، فتكون وفاته بعد استكمال ذلك والدخول في اليوم الثالث عشر، وتفرض على هذا الشهور الثلاثة كوامل.

وفي هذا الجواب نظر من حيث إن كلام أهل السير يدل على وقوع الأشهر الثلاثة نواقص، أو على نقص اثنين منها.

[ ص: 1373 ] فأما ما يدل على نقص الثلاثة: فروى البيهقي في (دلائل النبوة) بإسناد صحيح إلى سليمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وكان أول مرضه فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول. وقوله: "كانت وفاته اليوم العاشر" أي من مرضه.

ويدل على ذلك أيضا ما رواه الواقدي عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: "اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة [ ص: 1374 ] بقيت من صفر" إلى أن قال: "اشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول".

ويجمع بين قولي سليمان التيمي ومحمد بن قيس في مدة المرض أن المراد بالأول اشتداده وبالثاني ابتداؤه. وكذلك ما رواه الخطيب في كتاب (أسماء الرواة عن مالك) من رواية سعيد بن سلمة بن قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ثمانية أيام، فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول" فجعل مدة مرضه ثمانية أيام، فلو ثبت حملناه على قوة المرض، إلا أنه لا يصح، ففي إسناده أبو بشر المصعبي، واسمه أحمد بن مصعب بن بشر المروزي، وقد اتهمه الدارقطني وابن حبان بوضع الحديث.

والعمدة على قول سليمان التيمي أنه كانت وفاته في ثاني الشهر، [ ص: 1375 ] وحكاه الطبري عن ابن الكلبي، وأبي مخنف، وهو راجح من حيث التاريخ.

وكذلك القائلون: "إنه يوم الاثنين، مستهل شهر ربيع الأول" وهو قول موسى بن عقبة، والليث بن سعد، وبه جزم ابن زبر في (الوفيات) [ ص: 1376 ] وحكاه السهيلي عن الخوارزمي، قال السهيلي: "وهذا أقرب في القياس مما ذكره الطبري عن الكلبي وأبي مخنف".

قلت: لكن سليمان التيمي ثقة، والإسناد إليه صحيح، فقوله أولى، ولا يمتنع نقص ثلاثة أشهر متوالية.

ومن المشكل أيضا قول ابن حبان وابن عبد البر: "إنه بدأ به مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر" فهذا ما لا يمكن، وسببه أنهما قالا: "توفي يوم الاثنين ثاني عشرة" وجعلا مدة مرضه ثلاثة عشر يوما، فأنتج لهما هذا التاريخ الفاسد، وهما في ذلك موافقان للجمهور، فهو قول ابن إسحاق، ومحمد بن سعد، وسعيد بن عفير، وصححه ابن الجوزي، وتبعهم المصنف والنووي في (شرح مسلم) والمزي في (التهذيب) والذهبي في (العبر) وفيه ما تقدم.

الأمر الثاني: أن قول المصنف: "إنه مات ضحى" يشكل عليه ما في (صحيح مسلم) من حديث أنس قال: "آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث، وفيه: "فألقي السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم".

[ ص: 1377 ] فهذا الحديث دال على أنه تأخر بعد الضحى.

وقد يجمع بين الحديث وبين من قال: "توفي ضحى" أن المراد أول النصف الثاني من النهار، فهو آخر وقت الضحى، وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني، ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة -رضي الله عنها- قالت: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لله وإنا إليه راجعون ارتفاع الضحى، وانتصاف النهار، يوم الاثنين".

وذكر موسى بن عقبة في مغازيه، عن ابن شهاب: "توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس" فهذا جمع حسن بين ما اختلف من ذلك في الظاهر. والله أعلم.




الخدمات العلمية