الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2146 6 - ( حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا إسماعيل بن علية قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء عن صفوان بن يعلى ، عن يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال : غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة ، فكان من أوثق أعمالي في نفسي ، فكان لي أجير ، فقاتل إنسانا فعض أحدهما إصبع صاحبه ، فانتزع أصبعه فأندر ثنيته فسقطت ، فانطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدر ثنيته ، وقال : أفيدع إصبعه في فيك تقضمها ؟ قال : أحسبه قال : كما يقضم الفحل ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : فكان لي أجير .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة ، الأول : يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي ، الثاني : إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف ، وعلية اسم أمه ، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي ، الثالث : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، الرابع : عطاء بن أبي رباح ، الخامس : صفوان بن يعلى بن أمية التميمي ، أو التيمي حليف لقريش ، السادس : يعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام مقصورا ، ابن أمية ، بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ، ويقال له : ابن منية ، بضم الميم وسكون النون وفتح الياء آخر الحروف ، وهو اسم أمه ، والأول اسم أبيه أبو صفوان .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه الإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه بغدادي ، وإنما قيل له الدورقي لأنه وأقاربه كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إليها ، وليسوا من بلد دورق ، وإسماعيل بصري ، والبقية كلهم مكيون ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، وفيه عن عطاء عن صفوان ، وفي رواية همام الماضية في الحج حدثني صفوان بن يعلى .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 84 ] ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن عبد الله بن محمد ، عن سفيان بن عيينة ، وفي المغازي عن عبيد الله بن سعيد ، وفي الديات مختصرا عن أبي عاصم أربعتهم عن ابن جريج ، عن عطاء عنه به ، وأخرجه مسلم في الحدود عن عمرو بن زرارة ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن شيبان بن فروخ ، وعن ابن المثنى وابن بشار وعن أبي غسان ، وأخرجه أبو داود في الديات عن مسدد عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج ، وأخرجه النسائي في القصاص ، وعن عبد الجبار وإسحاق بن إبراهيم فرقهما ، وعن عبد الجبار ، وعن إسحاق بن إبراهيم أيضا ، وعن أبي بكر بن إسحاق .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " جيش العسرة " بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وهي غزوة تبوك ، وتعرف أيضا بالفاضحة ، وقيل لها : العسرة ; لأن الحر كان فيها شديدا والجدب كثيرا ، وحين طابت الثمار ، وكان الناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، وكانت في رجب ، قال ابن سعد : يوم الخميس ، وقال ابن التين : خرج في أول يوم من رجب ، ورجع في سلخ شوال ، وقيل : رمضان من سنة تسع من الهجرة ، قوله : " فكان من أوثق أعمالي في نفسي " أي مكان الغزو من أحكم أعمالي في نفسي وأقواها اعتمادا عليه ، ويؤخذ منه ذكر الرجل الصالح عمله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فكان لي أجير " وهو الذي يخدم بالأجرة ، قوله : " فقاتل " أي الأجير إنسانا ، ووقع في رواية مسلم " أن يعلى قاتل رجلا " قال مسلم : حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار ، واللفظ لابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن زرارة ، عن عمران بن حصين ، قال : قاتل يعني ابن منية أو ابن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته ، وقال ابن المثنى : ثنيتيه ، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يعض أحدكم كما يعض الفحل لا دية لك " ، وقال القرطبي : ورواية البخاري " أن أجيرا ليعلى " هو الأولى إذ لا يليق بيعلى مع جلالته وفضله ذلك الفعل ، وقال النووي : الصحيح المعروف فيما قاله الحفاظ أنه أجير يعلى لا يعلى ، ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو في وقتين ، انتهى ، قوله : " يده " ، ويروى : " ذراعه " ، قوله : " إصبع صاحبه " في الإصبع تسع لغات ، والعاشر أصبوع ، قوله : " فأندر ثنيته " أي أسقطها بجذبه ، والثنية مقدم الأسنان ، وللإنسان أربع ثنايا ثنتان من فوق ، وثنتان من أسفل ، قوله : " أفيدع " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، قوله : " فيقضمها " بفتح الضاد المعجمة من القضم ، وهو الأكل بأطراف الأسنان يقال : قضمت الدابة شعيرها بالكسر تقضمه ، وفي الواعي أصل القضم الدق والكسر ولا يكون إلا في الشيء الصلب وماضيه على ما ذكره ثعلب بكسر العين ، وحكى ثابت وابن طلحة فتح العين ، وقال ابن التين : القضم هو الأكل بأدنى الأضراس ، قوله : " الفحل " الذكر من الإبل ونحوه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) وبه احتج أبو حنيفة والشافعي في آخرين في أن المعضوض إذا جبذ يده ، فسقطت أسنان العاض أو فك لحييه فلا ضمان عليه ، وقال الشافعي : إذا صال الفحل على رجل فدفعه فأتى عليه لم يلزمه قيمته ، وعند مالك يضمن المعضوض ، قال القرطبي : لم يقل أحد بالقصاص في ذلك فيما علمت ، وإنما الخلاف في الضمان فأسقطه أبو حنيفة وبعض أصحابنا ، وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك ، قال : ونزل بعض أصحابنا القول بالضمان على ما إذا أمكنه نزع يده برفق فانتزعها بعنف ، وحمل بعض أصحابنا الحديث على أنه كان متحرك الثنايا ، وقال أبو عبد الملك : لم يصح الحديث عند مالك .

                                                                                                                                                                                  وفيه استئجار الأجير للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو وغيره سواء ، وأما القتال فلا يستأجر عليه لأن على كل مسلم أن يقاتل حتى تكون كلمة الله هي العليا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية