الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2240 - مسألة : فيمن قال لآخر : يا لوطي ، أو يا مخنث قال علي : نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا أبو هلال عن قتادة أن رجلا قال لأبي الأسود الدؤلي : يا لوطي ؟ قال يرحم الله لوطا . وبه - إلى أبي هلال عن عكرمة في رجل قال لآخر : يا لوطي ؟ قال عكرمة : ليس عليه حد . [ ص: 249 ] وعن الزهري ، وقتادة أنهما قالا جميعا في رجل قال لرجل : يا لوطي ؟ أنه لا يحد - وبه يقول أبو حنيفة ، وأبو سليمان ، وأصحابنا . وقال آخرون : لا حد في ذلك إلا أن يبين : كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق : أخبرني ابن جريج قال : قلت لعطاء في رجل قال لآخر : يا لوطي ؟ قال : لا حد عليه حتى يقول : إنك لتصنع بفلان ، وبه - إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أنه قال في رجل قال لآخر : يا لوطي ؟ قال : نيته يسأل عما أراد بذلك . وقالت طائفة : عليه الحد - كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن حسان عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن رجلا قال لرجل : يا لوطي ؟ فرفع إلى عمر بن عبد العزيز ، فجعل عمر يقول : يا لوطي ، يا محمدي - فكأنه لم ير عليه الحد ، وضربه بضعة عشر سوطا ، ثم أرسل إليه من الغد فأكمل له الحد . وبه - إلى وكيع نا أبو هلال عن الحسن البصري في الرجل يقول للرجل : يا لوطي ؟ قال : عليه الحد . وبه - إلى وكيع عن الحسن بن صالح بن حي عن منصور عن إبراهيم النخعي في فعل قوم لوط ؟ قال : يجلد من فعله ومن رمى به وبه - إلى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي في الرجل يقول للرجل : يا لوطي ؟ قال : يجلد ؟ قال أبو محمد : قول إبراهيم النخعي ، والشعبي : يجلد ، ليس فيه بيان أنهما أرادا الحد ، وقد يمكن أن يريدا جلد تعزير . وبإيجاب الحد على من رمى به يقول مالك ، والشافعي . وهو الخارج على قول أبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ؟ قال أبو محمد : فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا هذه المسألة - يعني من رمى آخر : بأنه ينكح الرجال ، أو بأنه ينكحه الرجال - إنما هي معلقة بالواجب في [ ص: 250 ] قوم لوط ، فإن كان زنى فالواجب في الرمي به حد القذف بالزنى ، وإن كان ليس زنى فلا يجب في الرمي به حد القذف بالزنا - وسنستقصي الكلام في هذه المسألة - إن شاء الله تعالى - في باب مفرد له إثر كلامنا في حد السرقة ، وحد الخمر - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وهو ليس عندنا زنا فلا حد في الرمي به . وأما أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن فهو عندهما زنا أو مقيس على الزنا فالحد عندهما في القذف به . وأما مالك ، والأشهر من أقوال الشافعي فهو عندهم خارج من حكم الزنا ; لأنهما يريان فيه الرجم - أحصن أو لم يحصن - فإذ هو عندهم ليس زنا ، وإنما حكمه المحاربة أو الردة ; لأنه لا يراعى فيه إحصان من غيره ، فكان الواجب - على قولهما - أن لا يكون فيه حد الزنا - وهو مما تناقضوا فيه أفحش تناقض ، فلم يتبعوا فيه نصا ولا قياسا . فإن قالوا : إن الرمي بذلك حرم ؟ قلنا : نعم ، وإثم ، ولكن ليس كل حرام ، وإثم : تجب فيه الحدود ، فالغصب حرام ولا حد فيه ، وأكل الخنزير حرام ولا حد فيه ، والرمي بالكفر حرام ولا حد فيه . وأما من قال لآخر : يا مخنث فإن القاضي حمام بن أحمد قال : نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قال لرجل من الأنصار : يا يهودي ، فاضربوه عشرين ، ومن قال لرجل : يا مخنث فاضربوه عشرين } قال أبو محمد رحمه الله : وهذا ليس بشيء ، وذلك ; لأنه مرسل ، والمرسل لا تقوم به حجة . ثم هو أيضا من رواية إبراهيم بن أبي يحيى - وهو في غاية السقوط . ولو كان هذا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوجبناه حدا ، ولكنه لا يصح ، فلا يجب القول به ، ولا حد في شيء مما ذكروا - وإنما هو التعزير فقط للأذى ; لأنه منكر ، وتغيير المنكر واجب ، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية