الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2234 - مسألة : كافر قذف مسلما أو كافرا ؟ قال أبو محمد : قد ذكرنا وجوب الحد على من قذف كافرا فإذا قذف الكافر مسلما ، قد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا وجوب الحكم على الكفار بحكم الإسلام ، لقول الله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } .

                                                                                                                                                                                          وبقوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } .

                                                                                                                                                                                          وقد ذكرنا وجوب قتل من سب مسلما من الكفار لنقضهم العهد وفسخهم الذمة ، لقول الله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . فافترض الله تعالى إصغارهم ، فإذا خرجوا عن الصغار فلا ذمة لهم ، وإذا لم تكن لهم ذمة فقتلهم وسبيهم ، وأموالهم : حلال ، وإذا سبوا مسلما فقد خرجوا عن الصغار ، وأصغروا المسلم ، فقد برئت الذمة ممن فعل ذلك منهم ، ولا ذمة له : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسحاق بن خالد ، قال : سألت الشعبي عن يهودية افترت على مسلم ؟ قال : تضرب الحد .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى وكيع حدثنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن قال : شهدت الشعبي ضرب نصرانيا قذف مسلما ، فجلده ثمانين ؟ قال أبو محمد : أما الحد - فواجب بلا شك ، لأنه حكم الله تعالى على كل قاذف ، والقتل واجب كما ذكرنا لنقض الذمة سواء كان رجلا أو امرأة لا بد من قتلهما ، إلا أن يسلما فيتركا عن القتل لا عن الحد .

                                                                                                                                                                                          فإن قال قائل : هلا أوقفتم المرأة ولم تقتلوها ، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ؟ ولأنها إذا نقضت ذمتها بسب المسلم فقد عادت حربية ، وإذا عادت حربية فلا ذمة لها فليس عليها إلا الاسترقاق ؟ [ ص: 236 ] قلنا - وبالله تعالى التوفيق - : إن حكم الحربي قبل التذمم غير حكمه بعد نقضهم الذمة ، لأن حكمهم قبل التذمم المقاتلة ، فإذا قدرنا عليهم ، فإما المن وإما الفداء ، وإما القتل ، وإما الإبقاء على الذمة - هذا في الرجال ، وكذلك في النساء حاش القتل ، وأما بعد نقض الذمة فليس إلا القتل ، أو الإسلام فقط ، لقول الله تعالى { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر } فافترض الله تعالى قتالهم بعد نكث أيمانهم من بعد عهدهم حتى ينتهوا - ولا يجوز أن يخص الانتهاء هاهنا عن بعض ما هم عليه دون جميع ما هم عليه ، إذ لا دليل يوجب ذلك ، ونحن على يقين أننا إذا انتهوا عن الكفر فقد حرمت دماؤهم ، ولا نص معنا ولا إجماع على أنهم إن انتهوا عن بعض ما هم عليه دون بعض عادوا إلى حكم الاستبقاء - .

                                                                                                                                                                                          وقد تقصينا هذا في " كتاب الجهاد " في مواضع من ديواننا وحكم المرأة في ذلك حكمها إذا أتت بعد الذمة بشيء يبيح الدم من زنى بعد إحصان ، وقتل نفس ، أو غير ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما إذا قذف الكافر كافرا فليس إلا الحد فقط ، على عموم أمر الله تعالى فيمن قذف محصنة بنص القرآن ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : والعجب ممن يرى أنه لا حد على كافر إذا زنى بمسلمة ، ولا على كافرة إذا زنى بها مسلم ، ولا يرى الحد على كافر في شرب الخمر - ثم يرى الحد على الكافر إذا قذف مسلما أو مسلمة ، فليت شعري ما الذي فرق بين أحكام هذه الحدود عندهم ؟

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إن الحد في القذف حق للمسلم ؟

                                                                                                                                                                                          قلنا لهم : وقولوا أيضا : إن حد الكافر إذا زنى بمسلمة حق لأبي تلك المسلمة ، ولزوجها ، وأمها ولا فرق - والعجب أيضا ممن قطع يد الكافر إذا سرق من كافر ، ثم لا يحده له إذا قذفه ، وهذه عجائب لا نظير لها ؟ خالفوا فيها نصوص القرآن ، وتركوا القياس الذي إليه يدعون ، وبه يحتجون ، إذ فرقوا بين هذه الأحكام ، ولم يقيسوا بعضها على بعض بغير دليل في كل ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية