الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : وأكره المضبب بالفضة لئلا يكون شاربا على فضة .

                                                                                                                                            وقال الماوردي : وهذا صحيح ، اعلم أن المضبب بالفضة ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون التضبيب في جميع الإناء .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون في بعضه ، فإن كان التضبيب في جميع الإناء حتى قد غطى جميعه وغشى سائره فاستعماله حرام كالمصمت من أواني الفضة والذهب .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : استعماله جائز : لأنه إناء جاورته فضة أو ذهب فجاز استعماله كما لو أخذ إناء بكفه وفيها خاتم . [ ص: 79 ] قال : ولأن الفضة تابعة للإناء فأشبه الثوب المطرز ، وما كان سواه من حرير ولحمته قطن .

                                                                                                                                            ودليلنا رواية عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب من إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم " وهذا نص ، ولأن غشاء الإناء من الذهب والفضة هو إناء من ذهب أو فضة جاوره غيره ، وأواني الذهب والفضة لا يحل استعمالها لمجاورة غيرها ، ولأن أواني الذهب والفضة إنما حرم استعمالها إما لما فيها من المباهاة والمفاخرة وإما لما فيها من انكسار قلوب الفقراء وإما لما فيها منه السرف ، وكل هذه المعاني موجودة في المضبب فوجب أن يكون محرما كتحريم المصمت .

                                                                                                                                            وأما قوله : إنه إناء جاورته فضة أو ذهب فليس بصحيح ، وإنما هو إناء من فضة أو ذهب جاوره غيره على أنهما لو استويا لكان تغليب الحظر أولى .

                                                                                                                                            وأما قوله : إن الفضة تابعة فصارت كالثوب المنسوج من حرير وغيره فغير مسلم ، لأنه ليس لأحد أن يجعل الفضة تابعة لغيرها في الإباحة ولا لغيره أن يجعل غير الفضة تابعة للفضة في التحريم ، ثم الفرق بين الثوب المنسوج من الحرير وغيره وبين الإناء من الفضة أو الحرير مباح لجنس من الناس وهو النساء ، فجاز أن يعفى عن يسيره مع غيره ، وأواني الذهب والفضة لم يأت الشرع بإباحته لأحد فلم يعف عنه مع غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية