الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما المسألة الثانية : في أكل ما مست النار فلا ينقض الوضوء بحال ، وبه قال في الصحابة الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود وكافة التابعين ، وجمهور الفقهاء ، وقال أحمد بن حنبل بوجوب الوضوء به من أكل لحم الجزور دون غيره وقال إسحاق ابن راهويه بوجوب الوضوء من أكل كل ما مسته النار ، وبه قال الجماعة من الصحابة منهم زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو هريرة ، وأنس ، وأبو طلحة ، وعائشة استدلالا بما " رواه أبو سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " توضئوا مما مست النار ولو على ثور من أقط " والثور هو القطعة من الأقط هكذا قال أبو عبيد ، " ودليلنا " ما رواه عطاء بن يسار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ ، وروى عبيد بن ثمامة عن عبد الله بن الحرث بن جبير قال : لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 206 ] في دار رجل فناداه بالصلاة ، فخرجنا فمررنا برجل وبرمته على النار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطابت برمتك فقال : نعم بأبي أنت وأمي فتناول منها بضعة ، فلم يزل يعلكها حتى " أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه . وروى داود بن أبي هند عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث الهاشمي عن أم حكيم بنت الزبير قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بكتف ، فجعلت أسحلها له فأكلها ثم صلى ولم يتوضأ ومعنى أسحلها أي أكشط ما عليها ، ومن هذا ساحل البحر لأن الماء قد سحله ، وروى شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : كان آخر الأمرين من رسول الله ( ترك الوضوء وما غيرت النار ) فأما حديث أبي هريرة فمنسوخ وقد قال ابن عباس يا أبا هريرة فإنا نتوضأ بالحميم وقد أغلي بالنار وإنا لندهن بالدهن وقد طبخ على النار فقال أبو هريرة يا ابن أخي إذا سمعت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال ، فأما أحمد بن حنبل في تخصيصه لحم الجزور في وجوب الوضوء على من أكله فمستدل بحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحم الإبل فقال : توضئوا منها ، وسئل عن لحم الغنم فقال : توضئوا منها ، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال : لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين ، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : صلوا فيها فإنها بركة . وهذا الحديث محمول على الاستحباب والإرشاد وفرق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل لما في لحوم الإبل من شدة السهوكة وفرق بين مبارك الإبل ومرابض الغنم في الصلاة لما في الإبل من النفور ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية