الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        في السيرة النبوية (قراءة لجوانب الحذر والحماية)

        الدكتور / إبراهيم علي محمد أحمد

        المبحث الأول

        جوانب الحماية والأمن قبيل الهجرة

        ثمة جوانب مهمة تمت قبيل الهجرة، سنحاول الوقوف عندها من خلال هذا المبحث بتوفيق الله

        المطلب الأول

        تغلب المسلمين على أساليب قريش وتمكنهم من الهجـرة إلى المدينـة

        عقب الفشل الذي منيت به قيادة قريش، في عدم مقدرتها على منع توقيع البيعة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والأنصار ، وبعد أن أدركت خطورة أن يجد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه أعوانا وأرضا ينطلقون منها، عقب كل ذلك عملت قيادة قريش جاهدة للحيلولة دون خروج من بقي من المسلمين إلى المدينة ، ولقد اتبعت في ذلك عدة أساليب نستعرضها فيما يلي: [ ص: 129 ]

        أولا: أسلوب التفريق بين الرجل وزوجه وولده

        لا شك أن للزوجة والولد مكانة عظيمة في قلب الرجل، فأي تفريق بينه وبينهم يعد أمرا بالغ الصعوبة، وخاصة إذا كان هـذا التفريق قسرا، لذا لجأت قريش إلى هـذا الأسلوب كي تحول بين المسلمين وبين الهجرة إلى المدينة .

        " تقول أم سلمة رضي الله عنها : (لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره، ثم حملني عليه وحمـل معي ابني سلمـة ابن أبي سلمة في حجري، ثم خرج يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، قاموا إليه فقالوا : هـذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هـذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت : فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه. قالت : وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة، فقالوا : لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت : فتجاذبوا بني سلمة بينهم، حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد ، وحبسني بنو المغيره عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة " [1] .

        وهذا أنموذج للطرق القاسية التي سلكتها قريش لتحول بين أبي سلمة والهجرة، رجل يفرق بينه وبين زوجه عنوة، وبينه وبين فلذة كبده، على مرأى منه! كل ذلك من أجل أن يثنوه عن الهجرة! ولكن متى ما تمكن الإيمان من القلب، استحال أن يقدم صاحبه على الإسلام والإيمان شيئا، حتى لو كان ذلك الشيء فلذة كبده، أو شريكة حياته، [ ص: 130 ] لذا انطلق سيدنا أبو سلمة رضي الله عنه إلى المدينة لا يلوي على أحد، وفشل معه هـذا الأسلوب.. وللدعاة إلى الله فيه، أسوة حسنة.

        ثانيا: أسلوب التجريد من المال

        المال زينة الحياة الدنيا، وبريق المال له فتنة، ومن الصعوبة بمكان أن يتنازل المرء عن كل ماله دون مقابل مادي ملموس، وإذا خير الإنسان بين المال والفكرة، فقليل هـم أولئك الذين يقدمون الفكرة على المادة. ولما كانت قريش تعلم مدى تعلق الإنسان بحب المال، أرادت أن تجعل منه عامل ضغط، وأسلوبا آخر من أساليبها، للحيلولة بين المسلمين والهجرة.

        فلما أراد صهيب رضي الله عنه الهجرة، قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك. فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟ قالوا : نعم. قال : فإني قد جعلت لكم مالي. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ربح صهيب، ربح صهيب) [2] لقد حاولت قيادة قريش أن تثني صهيبا رضي الله عنه عن الهجرة، مهددة إياه بتجريد من ماله إذا عزم على الهجرة، فوضعوه بين خيارين : التجريد من المال أو ترك الهجرة إذا أحب أن يبقي على ماله عنده، وإلا فلا يمكنه أن يهاجر بماله ونفسه، ولكن الإيمان جعل صهيبا رضي الله عنه يأخذ بالخيار الأول، فقدم لهم المال طائعا مقابل أن يخلوا سبيله، ولهذا استطاع أن يهاجر ويلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة. [ ص: 131 ]

        ثالثا: أسلوب الحبس

        لجأت قريش إلى الحبس، كأسلوب لمنع الهجرة ، فكل من تقبض عليه وهو يحاول الهجرة، كانت تقوم بحبسه داخل أحد البيوت، مع وضع يديه ورجليه في القيد، وتفرض عليه رقابة وحراسة مشددة، حتى لا يتمكن من الهرب، وأحيانا يكون الحبس داخل حائط بدون سقف، كما فعل مع عياش وهشام بن العاص ، رضي الله عنهما ، حيث كانا محبوسين في بيت لا سقف له [3] وذلك زيادة في التعذيب، إذ يضاف إلى وحشة الحبس حرارة الشمس، وسط بيئة جبلية شديدة الحرارة مثل مكة .

        فقيادة قريش تريد بذلك تحقيق هـدفين: أولهما منع المحبوسين من الهجرة، والآخر أن يكون هـذا الحبس درسا وعظة لكل من يحاول الهجرة من أولئك الذين يفكرون بها ممن بقي من المسلمين بمكة، ولكن لم يمنع هـذا الأسلوب المسلمين من الخروج إلى المدينة المنورة، فقد كان بعض المسلمين محبوسين في مكة مثل عياش وهشام رضي الله عنهما ، ولكنهم تمكنوا من الخروج واستقروا بالمدينة.

        رابعا: أسلوب الاختطاف

        لم تكتف قيادة قريش بالمسلمين داخل مكة، لمنعهم من الهجرة، بل تعدت ذلك إلى محاولة إرجاع من دخل المدينة مهاجرا، [ ص: 132 ] فقامت بتنفيذ عملية اختطاف أحد المهاجرين ، ولقد نجحت هـذه المحاولة، وتم اختطاف المهاجر من المدينة وأعيد إلى مكة .

        " يقول عمر رضي الله عنه : (... فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء ، وخرج أبو جهل بن هـشام والحارث بن هـشام إلى عياش بن ربيعة وكان ابن عمهما، وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فكلمـاه وقالا : إن أمـك قد نـذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها. فقلت له : يا عياش! إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت. قال : فقال : أبر قسم أمي، ولي هـناك مال فآخذه. قال : فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال : فأبى علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك، قلت له : أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هـذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها إن رابك من القوم ريب فانج عليها. فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطـريق قـال له أبو جهـل : يا ابن أخي! والله لقد استغلظت بعيري هـذا، أفلا تعقبني على ناقتك هـذه؟ قال : بلى. قال : فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه... ثم دخلا به مكة نهارا موثقا، ثم قالا : يا أهل مكة! هـكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هـذا " [4] . [ ص: 133 ]

        هذه الحادثة تظهر مدى دقة الخطة التي نفذت بها قريش عملية الاختطاف، حيث قام بهذه المهمة أبو جهل ، والحارث ، وهما إخوة عياش من أمه، الأمر الذي جعل عياشا يطمئن لهما، وبخاصة، إذا كان الأمر يتعلق بأمه، فاختلق أبو جهل هـذه الحيلة لعلمه بمدى شفقة ورحمة عياش بأمه، والذي ظهر جليا عندما أظهر موافقته على العودة معهم.. كما تظهر الحادثة الحس الأمني العالي الذي كان يتمتع به عمر رضي الله عنه ، حين صدقت فراسته في أمر الاختطاف، وحين أعطى عياشا رضي الله عنه ناقته النجيبة.

        ومن جوانب إحكام الخطة، تلك الحيلة التي استطاع بها أبو جهل، أن ينزل عياشا رضي الله عنه من الناقة السريعة، فجرده من أخطر سلاح يملكه، وبدونه بات صيدا سهلا لأبي جهل والحارث، الأمر الذي مكنهم من تقييده، والرجوع به إلى مكة .. تظهر هـذه الحيلة مدى ذكاء وحسن تصرف أبي جهل، حيث استولى على سلاح عياش رضي الله عنه قبل أن يأسره، فحتى لـو حـدث وتخلص عيـاش من القيـد، لن يجد الوسيلة التي تمكنه من الهرب.

        وفي قول أبي جهل : (يا أهل مكة! فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هـذا) ، تحريض لقريش، كي تقوم بعمليات اختطاف مماثلة لأقاربهم بالمدينة. كما أنه محاولة لغرس نوع من اليأس والقنوط في قلوب المسلمين الذين لم يهاجروا بعد، حين يرون عياشا الذي هـاجر إلى المدينة قد رجع مقيدا إلى مكة ، فربما أثر ذلك في نفوس بعض الذين يودون الهجرة ، فيجعلهم يعيدون التفكير في أمرهم. [ ص: 134 ]

        ولم يترك المسلمون أمر اختطاف عياش ، فقد ندب الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه للقيام بمحاولة إطلاق سراح عياش وهشام رضي الله عنهما ، وفعلا استعد للمهمة ورتب لها ما يحقق نجاحها، وجاء إلى مكة ، واستطاع بكل اقتدار وذكاء أن يصل إلى البيت الذي حبسا فيه، وأطلق سراحهما ورجع بهما إلى المدينة المنورة .

        ولكن بالرغم من هـذه الأساليب القاسية والمتنوعة، التي استخدمتها قريش ، تمكن المسلمون من الهجرة إلى المدينة، فلم يقف التفريق بين المرء وزوجه وولده حائلا، ولا التجريد من المال والحبس مانعا، ولا الاختطاف حاجزا بين المسلمين وهجرتهم إلى المدينة.

        المطلب الثاني

        فشل خطة قريش لاغتيال قائد الدعوة بعد أن منيت قريش بالفشل في منع الصحابة رضي الله عنهم من الهجرة إلى المدينة المنورة، على الرغم من كل الأساليب آنفة الذكر، بعد هـذا الفشل، أدركت قريش خطورة الأمر، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرجوا، وساقوا الذراري والأطفال إلى الأوس والخزرج ، حيث تجسد أمامهم الخطر الحقيقي الذي يهدد كيانهم الاجتماعي، والاقتصادي، فهم يعلمون قوة تأثير شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع كمال القيادة والرشاد، ويعلمون عزيمة أصحابه واستقامتهم، ومدى استعدادهم للفداء والتضحية في سبيل عقيدتهم، ويعلمون كذلك ما في الأوس والخزرج [ ص: 135 ] من قوة ومنعة، وما في عقلاء هـاتين القبيلتين من عواطف السلم، والصلح، والتداعي إلى نبذ الأحقاد فيما بينهم، بعد أن ذاقوا مرارة الحرب الأهلية طيلة أعوام من الدهر.

        كما أنهم كانوا يدركون ما للمدينة من الأهمية من حيث الموقع الاستراتيجي لتجارتهم التي تمر بسـاحـل البحر الأحمـر إلى الشـام ، ولا ريب أنها كانت تحتاج إلى الأمن والاستقرار طوال الطريق [5] .

        فهذا الموقف البالغ الحساسية والخطورة، كان يتطلب من قيادة قريش أن تحاول فعل شيء تجاهه، فصاروا يبحثون عن أنجع الوسائل لدفع هـذا الخطر الذي مبعثه الوحيـد حامـل لواء الدعـوة، النبي صلى الله عليه وسلم ، لذا اجتمعت قيادة قريش في دار الندوة للتشاور في أمر القضاء على قائد الدعوة.. ولما جاءوا إلى دار الندوة، اعترضهم إبليس في هـيئة شيخ حكيم على الباب، فقالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكـم، ليسمـع ما تقولـون، وعسـى ألا يعدمكم منه رأيا ونصحا، قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم.

        طرحت عدة آراء واقتراحات، أثناء ذلك الاجتماع، منها إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، ولكن هـذا الرأي أبعد بحجة أنه سوف يجد مأوى، ثم يعود لغزو مكة . فطرح رأي آخر يقول بحبس المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولكن هـذا الرأي استبعد أيضا بحجة أن أصحابه سيفكون قيده.

        فكان الرأي، الثالث الذي وافق عليه الحاضرون وعلى رأسهم إبليس [ ص: 136 ] ولم يعترض عليه أحد، وحظي بالإجماع.. يتلخص هـذا الرأي في أن يؤخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا، وسيطا في قومه، فيعطى كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلونه، فيتفرق دمه في القبائل جميعا، فلا يقدر بنو عبد مناف على حرب جميع القبائل فيرضوا بالدية، وقد حددوا مكان وزمان تنفيذ العملية [6] ، وقد رافق مؤامرتهم هـذه اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية، نوجزها فيما يلي:

        - التكتم التام على الاجتماع

        لقد تكتمت قيادة قريش تكتما تاما على اجتماعها في دار الندوة، فلم يعلم أحد في المؤمنين بأمره، ولا حتى أولئك الموالين للنبي صلى الله عليه وسلم من كفار قريش، فلم يدع له أحد، وبخاصة عمه العباس، وقد نجحوا في أمر الكتمان هـذا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به إلا عن طريق الوحي [7] .

        - التوقيت المناسب لتنفيذ العملية

        وهو من أبرز الإجراءات الأمنية التي اتخذتها قريش لضمان نجاح تنفيذ هـذه المؤامرة، فقد كان ميعاد التنفيذ بعد منتصف الليـل [8] . ولا يخفى ما في ذلك من جوانب أمنية، فالليل غطاء أمني لإخفاء أفراد المهمة، [ ص: 137 ] هذا إلى جانب أن في مثل هـذا الوقت تقل -وربما تنعدم- الحركة، مما يجعل أمر اكتشاف المؤامرة ضعيفا، كما أن في مثل هـذا الوقت يكون السواد الأعظم من الناس قد استغرقوا في النوم، فلا يشعرون بحركة أفراد المؤامرة، مما يسهل عليهم تنفيذ مهمتهم بنجاح.

        - إحكـام الخطـة

        لقد كانت الخطة محكمة بحيث لم تكن فيها ثغرة يمكن أن تفسدها، وهذا الإحكام يؤكد أن النقاش في دار الندوة كان مستفيضا، بدليل أنهم رفضوا فكرة الحبس، والقيد، والإخراج، لما فيها من ثغرات.. رفضوا فكرة الحبس؛ لأنهم أقنعوا أنفسهم بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكنهم أن يطلقوا سراحه، واستبعدوا فكرة إخراجه لخوفهم من قوة تأثيره صلى الله عليه وسلم على الآخرين [9] . واختيارهم للرأي الثالث القائل بالقتل الجماعي، يدل أيضا على إحكام خطتهم، حيث إن القضاء على قائد الدعوة قضاء على الدعوة، هـذا إلى جانب استحالة محاربة بني عبد مناف لقومهم جميعا، وبالتالي يتفادى المشركون الحرب معهم، وتنحصر المشكلة في دفع الدية، وهو أمر ميسور لدى المتآمرين.

        ومما يدل على إحكام الخطة أيضا، إسناد هـذه المهمة لأشخاص تنطبق عليهم مواصفات خاصة، بأن يكون الفرد منهم شابا جلدا، نسيبا وسيطا في قومه، يتقلد سيفا صارما، ولا ريب أن أشخاصا بهذه المواصفات، يجعلون نسبة نجاح العملية عالية. [ ص: 138 ]

        - الترتيبات الوقائية، وتدخل العناية الإلهية

        ولكن على الرغم من كل هـذه الاحتياطات الأمنية العالية، فقد وفق الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم لإفشال خطة قريش ، وتفويت فرصة أن ينالوا شرا بالرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يمثل قمة الإيمان والتقوى والورع، إلى جانب استنفاده الأسباب الممكنة.. وحسمت العناية الإلهية الأمر. ولا شك أن البعد الأمني للإيمان ذو أثر بالغ في تحقيق النتائج، فينبغي على المسلمين أن يضعوا ذلك نصب أعينهم، حيث يتنزل المدد من الله الذي تستمد منه الجماعة المسلمة عدتها وعتادها، وهذا ما حدث عندما أحكمت قريش خطتها، وحافظت على سرية اجتماعها، وخفيت تلك المعلومة المهمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء الوحي يخبره بتلك المؤامرة [10] . وهذا ما يميز المسلم عن سواه.

        ولكن بالطبع تدخل العناية الإلهية يأتي بعد الأخذ بالأسباب، وإعداد العدة، وعدم التواكل، فإذا تركنا الأخذ بالأسبـاب، ولـم نعـد ما نستطيع من قوة، وأصبحنا ننتظر تدخل العنايـة الإلهيـة، فهذا مما يخالف منهجنا الإسلامي، الذي يأمر بإعداد العدة بكل ما نستطيع من معدات وآليات؛ لأن الاستجابة لأمر الله بإعداد العدة، سبيل للعناية الإلهية وحصول النصر. [ ص: 139 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية