الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        في السيرة النبوية (قراءة لجوانب الحذر والحماية)

        الدكتور / إبراهيم علي محمد أحمد

        الفصل الثالث

        جوانب الحذر والحماية في الهجرة النبوية

        تـوطـئـة

        بعد أن تيقن الرسول صلى الله عليه وسلم من أن مكة لم تعد تصلح أن تكون أرضا تئوي الدعوة وتحميها، بل باتت تهدد وجودها، كان لا بد لدعوة الإسلام من أرض تقف عليها، وتنطلق منها، وتكون لها السيطرة عليها، حتى يتسنى لها الانتشار ومجابهة الباطل، الذي يقف أهله عقبة في طريق الدعوة.. كان لا بد لهذه الأرض من أن تتوافر فيها بعض السمات، حتى تكون عونا للمسلمين على أداء دورهم في خلافة الأرض، وإقامة العدل، ولعل من أبرز هـذه السمات : أن تكون تلك الأرض ذات قدرات اقتصادية، وأن تمتاز بموقع طبيعي حصين، وأن تتمتع بمنافذ وقنوات اتصال مع الخارج، وأن يكون بها أنصار وحماة لدعوة الإسلام، يضحون في سبيلها بالنفس والمال.. هـذه هـي أبرز الصفات التي امتازت بها المدينة المنورة، وفيما يلي نلقي بعض الضوء على الصفات الأربع المذكورة :

        - بالنسبة للصفة الأولى، نجد أن المدينة كانت مركزا تجاريا هـاما [ ص: 127 ] بين شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها، وكانت -وما تزال- أرضا زراعية خصبة، يزرع بها التمر بكميات هـائلة، وعندما جاء الصحابة رضي الله عنهم للمدينة المنورة، وجدوها أرضا عامرة بالزراعة.

        - أما الصفة الثانية فكانت المدينة أرضا حصينة، إذ تحيط بها الجبال، والحرار من كل الجوانب، وقد ظهرت أهمية هـذه الميزة حين هـجوم الأحزاب عليها، فقد فشلت قريش في الدخول إلى المدينة المنورة لمجرد حفر المسلمين للخندق.

        - أما بخصوص موقع المدينة، فكان فريدا، إذ كانت تمثل هـمزة الوصل بين شمالي الجزيرة وجنوبيها، لذا كانت قنوات الاتصال بالمدينة سالكة مع الخارج.

        - أما أمر الأنصار وحمايتهم للدعوة، فأمر معلوم تشهد به مجاهداتهم في بدر ، وأحد ، وغيرهما. فقد كان الأنصار من الأوس والخزرج معروفين بقوة الشكيمة، والفروسية، والشجاعة، والنخوة، وكانوا أهل خبرة وبصر بالقتال وفنونه.. ولهذا لم يتأخروا أبدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدوه بالنفس والنفيس [1] .

        ونظرا لتلك السمات المتفردة، لم يكن غريبا أن تصبح المدينة أصلح مكان لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، فاتخذوها لهم دارا وقرارا، حتى يقوى الإسلام، ويشق طريقه إلى الأمام، ويفتح الجزيرة ثم يفتح العالم المتمدن [2] ، وقد كان نجاح الإسلام في تأسيس وطن له وسط [ ص: 128 ] صحراء تموج بالكفر والجهالة، من أعظم المكاسب التي حصل عليها منذ بداية الدعوة. وفي هـذا الفصل سنحاول الوقوف على جوانب الحماية والأمن للهجرة إلى المدينة المنورة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية