الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع (الدواعي والإمكان)

الأستاذ / منصور زويد المطيري

المبحث الثاني:

اتجاهات الباحثين

في علم الاجتماع في العالم الإسلامي

يتفق علماء الاجتماع المعاصرون، على أن علم الاجتماع في العالم الإسلامي، يسير على خطى علم الاجتماع في الغرب، حذو القذة بالقذة. فالنظريات والمناهج الغربية، بل في أحيان كثيرة اللغة الغربية، هـي ما يجيده علماء الاجتماع في العالم الإسلامي، ويعتبر هـذا الوضع أمرا طبيعيا في مناخ تسوده التبعية المطلقة للغرب، التي انتظمت كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

وفي جو معتم، بلغت فيه التبعية مبلغا، جعلت الدول الإسلامية تستورد كل شيء ضروري لوجودها - بما في ذلك أفكارها عن نفسها - في جو كهذا لا غرابة أن ينشأ المفكر- أيا كان تخصصه - تابعا، لا تتجاوز قدرته النقل والترجمة والشرح على النص [1] .

وقد بدأت خيوط هـذه التبعية تتشابك في القرنين الأخيرين، حيث يمكن تحديد فترة الالتقاء بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية في العصر الحديث، بحوادث احتلال الإنجليزللهند ، وفرنسا لمصر ، ثم لشمالي أفريقيا، ولأوائل اتصال الدولة العثمانية بالغرب عن طريق التمثيل السياسي، والصلات التجارية، والبعثات العلمية [2] . [ ص: 84 ]

وقد تسربت الثقافة الغربية عن طريق عدة قنوات إلى الثقافة الإسلامية، واستطاعت بعد ذلك أن تسيطر على أذهان كثير من أبنائها.

فعلى ضوء العوامل السابقة، أثيرت في العالم الإسلامي كثير من المشكلات، دار حولها نقاش حاد، تعتبر في صميمها من مواضيع علم الاجتماع، على الرغم من أنها لم تستخدم المفاهيم والمصطلحات الخاصة بعلم الاجتماع. فالكتابات التي كتبها قاسم أمين [3] وأحمد فتحي زغلول [4] وبطرس البستاني [5] وأمين الريحاني [6] ، في مصر والشام ، وأمثال الطاهر الحداد في تونس ، كانت تتناول مواضيع اجتماعية، وتعتبر في مجملها مقارنة بين الأوضاع الأوربية والأوضاع في العالم ا لإسلامي. كما أنها تحمل دعوة لتبني الأوضاع الأوربية. وتدور الكتابات في هـذه الفترة حول قضايا ثلاث رئيسة يمكن تلخيصها فيما يلي: [ ص: 85 ]

1- الدعوة إلى الحرية الشخصية، والحياة النيابية، كما عرفتها الدول الأوربية. وكان القصد منها المطالبة بحرية الفرد في أن يفعل ما يشاء، وفي أن يعبر عن رأيه، وينشره كيفما أراد، وكان دعاة هـذه الحرية متأثرين بالثورة الفرنسية على وجه الخصوص، حيث نادت هـذه الثورة بالحرية والإخاء والمساواة.

2- الدعوة إلى فصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية، وبمعنى آخر فصل الدين عن الحياة وشئونها، على غرار ما حدث في أوربا ، عندما تخلص المفكرون من سلطة الكنيسة.

3- الدعوة إلى تحرير المرأة من العادات والتقاليد، التي تحد من حريتها، وعلى رأسها الحجاب، وكذلك تعدد الزوجات، إضافة إلى مسألة الطلاق، واشتغال المرأة بالشئون العامة [7] .

ويلاحظ في هـذه الفترة أن الدراسات تسير بخطى حثيثة لتبني وجهة الغرب الليبرالي في المسائل الاجتماعية السابقة.

وقد اعتبرت الكتابات في تلك الفترة، بمثابة إشارات وعلامات سبقت ظهور علم الاجتماع، كعلم مستقل في العالم الإسلامي [8] . وقد أظهرت - كما سبق - قدرا كبيرا من التبعية للغرب الليبرالي بالذات. [ ص: 86 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية