الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع (الدواعي والإمكان)

الأستاذ / منصور زويد المطيري

(ب) النظريات في علم الاجتماع

يذكر علماء الاجتماع أن التيارات الفكرية التي صاحبت ظهور هـذا العلم ونشأته، لا تزال تؤثر في توجهه النظري حتى الآن. والحقيقة أن مختلف النظريات في هـذا العلم تصب في اتجاهين أساسيين، يتميز كل منهما برؤية خاصة للواقع الاجتماعي: اتجاه محافظ، واتجاه رافض وثوري. والنظريات عبارة عن طرق مختلفة لإدراك الحقائق الاجتماعية وتفسيرها. وتعرف النظرية بأنها: " مجموعة مبادئ وتعريفات مترابطة، تفيد في [ ص: 30 ] تنظيم جوانب مختارة من العالم الأمبيريقي على نحو منسق ومنتظم " [1] ، فهي تتكون من قضايا مترابطة منطقيان وقابلة للتحقق الواقعي، وتنطوي على دعاوى وبدهيات أساسية. وتعد النظرية مسألة أساسية في العلم. ويرى المطلعون في ميدان النظرية، أن البحث دون سند من نظرية، أو دون اتجاه نظري، ليس إلا نوع من العبث؛ وذلك لأن النظرية في علم الاجتماع مستمدة أصلا من نتائج دراسة عملية، أجريت فعلا في الواقع الاجتماعي، وليست مستمدة من النظر العقلي المجرد [2] .. وتؤدي نظرية علم الاجتماع الوظائف التالية:

1- تصنيف الأحداث الواقعية وتنظيمها.

2- تفسير أسباب الأحداث التي تقع، والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل، في إطار شروط معينة.

3- تقديم فهم علمي شامل بالقوانين التي تحكم حركة الأحداث في الواقع الاجتماعي [3] . وسوف نشير فيما يلي إشارة سريعة ومقتضبة إلى أبرز المواقف النظرية في علم الاجتماع:

1- النظرية البنائية الوظيفية

يلخص أحد علماء الاجتماع الأفكار الرئيسة التي تعتمد عليها هـذه النظرية في ست نقاط هـي [4] : [ ص: 31 ]

(أ ) يمكن النظر إلى أي شيء، سواء كان كائنا حيا، أو اجتماعيا، أو سواء كان فردا، أو مجموعة صغيرة، أو تنظيما رسميا، أو مجتمعا، أو حتى العالم بأسره، على أنه نسق أو نظام، وهذا النسق يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، فجسم الإنسان نسق، يتكون من مختلف الأعضاء والأجهزة، وكذلك شخصية الفرد، والمجتمع، والعالم.

(ب ) لكل نسق احتياجات أساسية لا بد من الوفاء بها، وإلا فإن النسق سوف يفني، أو يتغير تغيرا جوهريا، فكل مجتمع مثلا يحتاج أساليب لتنظيم السلوك " القانوني " ، ومجموعة لرعاية الأطفال " الأسرة " ، وهكذا.

(ج ) لا بد أن يكون النسق دائما في حالة توازن، ولكي يبقى كذلك فلا بد أن تلبي أجزاؤه المختلفة احتياجاته، فإذا اختلت وظيفة أحد الأجزاء فإن الكل يصبح في حالة عدم اتزان.

(د ) كل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفيا، أي يسهم في توازن النسق، وقد يكون ضارا وظيفيا، أي يقلل من توازن النسق، وقد يكون غير وظيفي، أي عديم القيمة بالنسبة للنسق.

(ه ) يمكن تحقيق كل حاجة من حاجات النسق بواسطة عدة متغيرات أو بدائل، فحاجة المجتمع لرعاية الأطفال مثلا يمكن أن تقوم بها الأسرة، أو دار الحضانة، وحاجة المجتمع إلى التماسك، قد تتحقق عن طريق التمسك بالتقاليد، أو عن طريق الشعور بالتهديد من عدو خارجي.

(و ) وحدة التحليل يجب أن تكون الأنشطة أو النماذج المتكررة. فالتحليل الاجتماعي الوظيفي، لا يحاول أن يشرح كيف ترعى أسرة معينة أطفالها، ولكنه يهتم بكيفية تحقيق الأسرة كنظام لهذا الهدف. [ ص: 32 ] وهدف التفسير الوظيفي، هـو الكشف عن كيفية إسهام أجزاء النسق في تحقيق النسق ككل، لاستمراريته، أو في الإضرار بهذه الاستمرارية [5] . وقد سميت هـذه النظرية بالبنائية الوظيفية؛ لأنها تحاول فهم المجتمع في ضوء البنيات التي يتكون منها، والوظائف التي تؤديها هـذه البنيات [6] .

2- النظرية الماركسية

تقوم الماركسية - بوصفها نظرية في علم الاجتماع - على مسلمتين أساسيتين هـما:

(أ) أن العامل الاقتصادي هـو المحدود الأساسي لبناء المجتمع وتطوره، فعلاقات الإنتاج في مجتمع ما، هـي التي تحكم وتحدد كافة مظاهر الحياة في هـذا المجتمع، أي البناء الفوقي من سياسة، وقانون، ودين، وفلسفة، وأدب، وعلم، وأخلاق.

(ب) النظر إلى العالم بما فيه المجتمع، من خلال الإطار الجدلي: الموضوع ونقيض الموضوع، والمركب منها، وهو إطار مستمر لا يتوقف، ويقول تيماشيف : " إذا ركبنا المسلمتين الأساسيتين لماركس معا، خرجنا ببعض النتائج، فكل نسق من الإنتاج يبدأ بحالة إثبات، حيث يكون أكثر النظم الممكنة كفاءة في ذلك الوقت، لكنه متى عزز اجتماعيا يصبح عقبة أمام تطبيق الاختراعات التكنولوجية، والإفادة من الأسواق الحديثة، والمواد الخام، ولا يمكن للتطور التاريخي أن يقف عند هـذه المرحلة، فالنظام المعزز اجتماعيا ينبغي القضاء عليه [ ص: 33 ] بواسطة ثورة اجتماعية، تخلق نظاما جديدا لإنتاج، مركب من القديم والجديد " [7] .

وهذه النظرة تجعل أي مجتمع يتكون من طبقتين أساسيتين متناقضتي المصالح، مما يجعل الصراع بينهما حتميا، فتحدث الثورة الاجتماعية التي تؤدي إلى تغيير علاقات الإنتاج. وعلى هـذا فإن الصراع الطبقي هـو المحرك الأساس للتغيير الاجتماعي، من أجل الوصول إلى مجتمع بلا طبقات، وهو مستمر في زعمهم على طور التاريخ، فتاريخ أي مجتمع عند الماركسية هـو تاريخ الصراع بين الطبقات المستغلة والمستغلة [8] فيما سبق عرضنا لأهم نظريتين في علم الاجتماع، ومع ذلك فإنهما لا يمثلان إلا جزءا بسيطا من النظريات في هـذا العلم، ويكفي أن نطالع كتاب تيماشيف " نظرية علم الاجتماع " مثلا، لنعرف مدى سعة وكثرة النظريات وتعددها في هـذا العلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية