الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الاتجاه الماركسي

يمثل الاتجاه الماركسي القطب الآخر، الذي يشد علماء الاجتماع في العالم الإسلامي إليه. وقد مارس سيطرته على أتباعه، وكانوا أوفياء له لدرجة أنه يوجد فيهم من هـو ماركسي أكثر من ماركس نفسه. ومع أن هـذا الاتجاه أحدث ظهورا، وأقل انتشارا، من الاتجاه الليبرالي، إلا أنه أشد نشوزا، وأكثر تنافرا مع مبادئ المسلمين، وواقعهم أيضا. ويتحتم علينا هـنا أن نعرض لبدايات ظهور هـذا الاتجاه عند علماء الاجتماع العرب خاصة، كما عرضنا لبدايات ظهور نظيره الليبرالي : [ ص: 98 ]

* يعد كتاب أوسيبوف : " قضايا علم الاجتماع - دراسة سوفيتية نقدية لعلم الاجتماع الرأسمالي " ، أول عمل ماركسي في علم الاجتماع يترجم إلى العربية، وقد قام بترجمته د. سمير نعيم أحمد، ود. فرج أحمد فرج، وقدم له د. عاطف غيث سنة 1970م.

وكان الهدف من ترجمته: البحث عن اتجاه بديل للاتجاهات الغربية الفاشلة.

وقد علل المترجمان أيضا اختيارهما لهذا الكتاب: أنه " انطلاقا من حاجتنا إلى فكر مفتوح لكل التجارب... ولقد كان رائدنا في اختياره أن نقدم للقارئ وجها أخر لعلم الاجتماع، وجها مخالفا لعلم الاجتماع الذي ألف أن يطالعه.. ونعني به الوجه " البرجوازي " لعلم الاجتماع.. والوجه الآخر الذي يعرضه هـذا الكتاب، هـو الوجه الماركسي لعلم الاجتماع " [1] .

* وقبل هـذا الكتاب، أفرد د. مصطفي الخشاب في كتابه: " المدارس الاجتماعية المعاصرة " ، فصلا عن الروسية في علم الاجتماع، عني فيه بالجهود السوفييتية الحديثة في هـذا العلم.

* كذلك كتب السيد ياسين عدة مقالات في مجلات مختلفة، عن علم الاجتماع الماركسي، منها مقال بعنوان " الاتجاهات الحديثة في علم الاجتماع الماركسي " [2] ، عني فيه بظهور علم الاجتماع الماركسي الأمبريقي.

* كتب د. سيد عويس عام 1970م، مقالا وسمه: [ ص: 99 ] " علم الاجتماع في بلد اشتراكي " [3] ، وضح فيه الملامح الأساسية لبحوث علم الاجتماع في روسيا، من حيث النظرية، والموضوع، وأساليب البحث.

وفي سنة 1973م، تمت ترجمت كتاب س. بوبوف : " نقد علم الاجتماع البرجوازي المعاصر " ، وهو من الكتب الرائدة في التعريف بالنظرية الماركسية.

كما كتب د. عبد الباسط عبد المعطي في وقت لاحق، كتابه: " الاتجاه السوفييتي في علم الاجتماع " ، وفي هـذا الكتاب عرض المؤلف بدراسة نقدية تقويمية، لبعض البحوث الشهيرة التي أجريت في الاتحاد السوفييتي.

هذه بعض الجهود التي فتحت الأنظار على علم الاجتماع الماركسي. ولقد انتشر علم الاجتماع الماركسي، في العالم الإسلامي حتى أصبح يشكل تيارا قويا. وقد ساعد في انتشاره تبني كثير من أبناء العالم الإسلامي للمبدأ الماركسي، واعتناق بعض الحكومات للماركسية، إضافة إلى فشل علم الاجتماع الليبرالي في تحقيق طموحات علماء الاجتماع، كما أن الطبيعة الثورية والنقدية، عامل آخر يجذب إلى علم الاجتماع الماركسي.

وتشير إحدى الدراسات، إلى أن الماركسية تشكل مصدرا هـاما من مصادر تكوين فكر علماء الاجتماع. فقد أشارت هـذه الدراسة، إلى المصادر الفكرية العامة، التي تساهم في التكوين الفكري لعلماء الاجتماع التونسيين. وكان على رأس القائمة التي توصلت إليها الدراسة، " سمير أمين " [4] ، ثم أتى في مرحلة تالية له ماركس - إنجلز [5] - ليفي ستراوس - [ ص: 100 ] ماكس فيبر - عبد الله العروي - رودنسون ، وغيرهم. وفي القائمة الأخيرة أتى ابن خلدون [6] ويوحى الترتيب السابق، بالمدارس المهيمنة على علم الاجتماع في تونس . فالماركسية تظهر من خلال ماركس ، وإنجلز ، ثم رودنسون ، ومن خلال الماركسيين العرب: سمير أمين ، وعبد الله العروي . والليبرالية تظهر من خلال فيبر . يقول الباحث خلال تحليله للنصوص التي دونها الطلبة، أما ماركس فأقرب إلى وضع " الإله الخفي " الذي يتغير الموقف منه، دون أن يهمله أو ينفصل عنه. وليس هـناك -عموما - رجوع مباشر إليه، وإنما عبر " قراءات ماركسية " من نوع قراءات ألتوسير وغرامشي ، أو - من منظور فهم الواقع العربي عموما والمغربي خصوصا - من نوع قراءات سمير أمين، وعبد الله العروي [7] .

وفي المغرب ، تشكل المادية التاريخية واحدة من أهم النظريات في علم الاجتماع، إضافة إلى " الأمبيريقية ، والتجزيئية ، والجمالية " . وهي تعني عند المغاربة: تركيب بين معطيات الواقع، وبين مفهوم نظري قوى " نمط الإنتاج " .. إنها جمع بين الشمولي والخاص، من خلال منهج جدلي في تاريخ عالمي واحد، يحركه الصراع الطبقي.. وعلى هـذا، فإن ولادة علم الاجتماع المغربي، مشروطة بإنتاج نظرية حول الأشكال المغربية " الخاصة " للصراع الطبقي [8] . [ ص: 101 ]

ولقد أيد هـذه الحقيقة، ما توصلت إليه إحدى الدراسات، حول تصورات علماء الاجتماع العرب، الحالية والمستقبلية، لأهم موضوعات ونظريات ومناهج علماء الاجتماع في الوطن العربي. وقد توصلت الدراسة إلى أن علم الاجتماع في الوطن العربي، تابع للاتجاهين الفكريين العالميين: " البنائية الوظيفية، والمادية التاريخية " ، اللذين يمثلان نتاجا لخبرات المجتمعات الغربية.

فقد عبر 48.8% من مجموع شرائح البحث، عن أن النظريات البنائية الوظيفية - بشكليها التقليدي والمعدل - تمثل النظرية الاجتماعية الشائعة في الوطن العربي.

كما دلت الدراسة على أن هـناك اتجاهات غربية أخرى، لها شعبيتها عند بعض علماء الاجتماع، كالتفاعل الاجتماعي، والنظرية النفسية الاجتماعية.

وعبر 18.52% من شريحة البحث عن اعتقادهم بأن المادية التاريخية تمثل واحدة من أهم النظريات الاجتماعية الشائعة في الوطن العربي [9] . وتشير نفس الدراسات إلى " أن هـناك توازيا ملحوظا بين طبيعة النظرية السائدة في الوطن العربي، وبين أنماط المناهج المستخدمة، فالذين اعتبروا أن البنائية الوظيفية هـي النظرية الاجتماعية السائدة في الوطن العربي، هـم الذين اعتبروا أن أكثر المناهج والأدوات شيوعا هـي المسح الاجتماعي، والمنهج التجريبي، والمنهج الوظيفي. أما الذين اعتقدوا أن المادية التاريخية تمثل نظرية شائعة في الوطن العربي، فكانوا هـم الذين اعتقدوا أن المنهجين التاريخي والمقارن، هـما الأكثر شيوعا. " [10] . [ ص: 102 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية