الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل :

فأما المستعمل في طهر مستحب كغسل الجمعة وتجديد الوضوء فهو طهور في أظهر الروايتين ؛ لأنه لم يزل مانعا ، وفي الأخرى هو غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية فأشبه الأول ، وعلى هذا إذا قلنا : إن وطء الذمية لا يجوز حتى تغتسل من الحيض وهو إحدى الروايتين فاغتسلت كان ذلك الماء مستعملا لأنه أزال المانع ، وقيل لا يكون مستعملا لأنه ليس بعبادة .

وإذا غسل رأسه بدلا عن المسح ففي المسألة وجهان : فأما فضل الطهور وهو ما تبقى في الإناء فهو طهور سواء كان المتطهر رجلا أو امرأة ، لما روى [ ص: 77 ] ابن عباس قال : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من صحفة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقلت : يا رسول الله إني كنت جنبا فقال : " إن الماء لا يجنب " ، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . لكن إذا خلت بالطهارة منه امرأة لم يجز للرجل أن يتطهر به في وضوء ولا غسل في أشهر الروايتين .

لما روى الحكم بن عمرو الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة " ، رواه الخمسة وقال الترمذي : هذا [ ص: 78 ] حديث حسن . قال أحمد : " أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه " ويحمل توضؤ النبي صلى الله عليه وسلم بفضل وضوء ميمونة على أنها لم تخل به توفيقا بين الحديثين ، وإن تعارضا فحديث المنع أولى لأنه حاضر ولأنه ناقل عن الأصل فيكون أولى من المبقي على الأصل ؛ لأن الأصل الحل فالحظر بعده ، فإن كان الحل بعده لزم البعد مرتين وإن كان الحل قبل الحظر لزم مرة واحدة .

والخلوة لا يشاركها الرجل سواء شاهدها أو لم يشاهدها في إحدى الروايتين لعموم الحديث خصص منه حال المشاركة لقول عائشة : " كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف [ ص: 79 ] أيدينا فيه من الجنابة " ، متفق عليه . وقال عبد الله بن سرجس : " اغتسلا جميعا هي هكذا وأنت هكذا فإذا خلت به فلا تقربه " . والرواية الأخرى ألا تشاهد عند الطهارة وهي أصح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة .

ومتى شاهدتها امرأة أو صبي مميز أو كافر فهو كالرجل عند الشريف أبي جعفر وغيره كخلوة النكاح .

وقال القاضي : يختص بالرجل المسلم لأن الحكم يختص به بخلاف خلوة النكاح ، وهل يختص ذلك بفضل طهارة الحدث أو يعم طهارتي الحدث والخبث ؟ على وجهين ، وكذلك هل للرجل استعماله في الخبث ؟ على وجهين . وفيما خلت به الكافرة وجهان . فأما ما خلا به خنثى مشكل فلا [ ص: 80 ] بأس به . ولا يؤثر التطهير من الماء الكثير في أصح الوجهين .

فأما فضل طهور الرجل للمرأة فلا بأس به في المنصوص المشهور ، وقيل : تمنع منه . ولا بأس بشربه في أصح الروايتين ويكره في الأخرى إذا خلت به .

فأما المستعمل في غير الحدث فلا بأس به إلا ما غمس القائم من نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثا ففي بقاء طهوريته روايتان فإن قلنا يؤثر فسواء غمسها قبل نية غسلها أو بعده في المشهور ، وقيل : لا يؤثر إلا بعد نية غسلها ، وقيل : بعد نية الوضوء نوى غسلها أو لم ينوه . وحد هذه اليد إلى الكوع . وفي غمس اليسير كالأصبع والأصبعين وجهان وفي غمس من ليس من أهل الطهارة الشرعية كالكافر والمجنون والصبي غير المميز وجهان ، ولا يؤثر الغمس في الكثير - نص عليه - بل يصح وضوؤه فيه ويجزئ عن غسلهما [ ص: 81 ] وكذلك ما لو وقف تحت أنبوب أو ميزاب فتوضأ ولم ينقل الماء بيده . فأما إذا نقله بيده أو صبه فيهما من الإناء صبا وتوضأ قبل غسلهما فهل يجزئه عن غسلهما ويصح وضوؤه ؟ على روايتين ، ويجوز استعمال هذا الماء فيما تستعمل فيه المياه الطاهرة في أشهر الوجهين وفي الآخر يراق بكل حال ، وإذا لم يجد إلا هذا الماء على القول بأنه غير طهور توضأ به وتيمم ، والمنفصل من اليد المغسولة كالمغتسل به في رفع الحدث إن قيل بوجوبه وإلا فكالمستحب .

التالي السابق


الخدمات العلمية