الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وتجب الكفارة على العالم والجاهل سواء كان جاهلا بالحيض وبالتحريم أو بهما ، وكذلك الناسي كالعامد في المنصوص من الوجهين ، وفي الآخر لا يجب . قاله ابن أبي موسى وغيره ؛ لأنه معذور ولأنها كفارة صغرى فلم تجب مع السهو ككفارة اليمين ، والأول أشهر ؛ لأن الحديث عام ، وقد روى حرب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أتى جارية له فقالت : إني حائض ، فكذبها فوقع عليها فوجدها حائضا ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له : يغفر الله لك أبا حفص ، تصدق بنصف [ ص: 469 ] دينار . ولأن المحرم أو الصائم إذا وطئ ناسيا وجبت الكفارة في المشهور من الروايتين ، وكذلك هنا فإن وطئها طاهرا فحاضت في أثناء الوطء ، فإن استدام لزمته الكفارة وإن نزع في الحال انبنى على أن النزع هل هو جماع ؟ وفيه قولان لأصحابنا ، أحدهما : هو جماع ، فإذا قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا إن جامعتك ، لم يجز له أن يجامعها أبدا في إحدى الروايتين ؛ خشية أن يقع النزع في غير ملك ، وإذا طلع عليه الفجر وهو مولج فنزع في الحال لزمته الكفارة ، كما اختاره ابن حامد والقاضي ، فعلى هذا تلزمه الكفارة هنا على الوجه المنصوص ، وهو اختيار ابن حامد ؛ لأن أكثر ما فيه أنه معذور والمعذور تلزمه الكفارة في النزع كما تلزمه في الصيام والإحرام ، وعلى الوجه الذي اختاره ابن أبي موسى لا كفارة عليه .

والقول الثاني : ليس النزع بجماع فلا شيء عليه هنا ، كما لا يفسد صومه بالنزع عند أبي حفص ، ولا يأثم به في اليمين على إحدى الروايتين ، وهل تجب الكفارة بوطء الصبي والمجنون ؟ على وجهين .

وتجب من الذهب الخالص ، قال جماعة من أصحابنا ، وسواء كان تبرا أو مضروبا ، ويتوجه أن لا يجزئه إلا المضروب لأن الدينار اسم للمضروب خاصة ، ولهذا يلزمه ذلك في الدية ، ولو كان ماله دنانير فأخرج عنها مكسرا لزمه أن يخرج الفضل بينهما في الزكاة ، ويجوز أن يعطيها لواحد وجماعة ؛ لأنه لم ينص على عدد فأشبهت النذر ، وإخراج القيمة هنا كإخراجها في الزكاة والكفارة ، وكذلك الدراهم عن الدنانير ، وقيل : يجوز هنا وإن لم يجزئه هناك كالخراج والجزية .

وأما المصرف فهو مصرف الكفارات في أحد الوجهين ، وهم الفقراء والمساكين وكل من يعطى من الزكاة بخاصة كابن السبيل والغارم لمصلحة [ ص: 470 ] نفسه والمكاتب ، وفي الوجه الآخر هم المساكين خاصة ، وكذلك كل صدقة مطلقة هل تسقط بالعجز ؟ على روايتين ذكرهما القاضي ، إحداهما : تسقط واختارها ابن حامد وغيره ككفارة الوطء في رمضان ، ولأنه حق مالي ليس ببدل ولا له بدل ، فأشبه صدقة الفطر والمال ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " والثانية : أنها لا تسقط ، واختارها بعضهم ككفارة اليمين والظهار والإحرام .

التالي السابق


الخدمات العلمية