الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 535 ] وأما كون النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره ، فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن هذا ليس بصحيح ، فإن أكابر الصحابة مثل عمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ، وعمران بن حصين ، وابن عمر ، وعائشة ، وابن عباس ، وأبي طلحة ، وأنس بن مالك ، وسراقة بن مالك ، كل هؤلاء يروون التمتع ، إما بأن يكون أحرم بالعمرة فلما قضاها أحرم بالحج ، أو أحرم بالعمرة والحج جميعا .

فإن رواية من قرن لا تخالف رواية من روى التمتع ، سواء أراد به أنه أهل بهما جميعا أو جمعهما في سفرة واحدة من شهر الحج ، وهذا لا يشك فيه ؛ لأنه قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتمر مع حجته .

فروى أنس بن مالك : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر ، كلهن في ذي القعدة ، إلا التي مع حجته ؛ عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون ، وعمرة في العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم ، وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة ، وعمرة مع حجته " متفق عليه .

وعن ابن عمر أيضا : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر ، وأقرته عائشة على ذلك " . متفق عليه .

[ ص: 536 ] وعن عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " اعتمرت ولم أعتمر ، قال : يا عبد الرحمن ، اذهب بأختك فأعمرها من التنعيم " . رواه البخاري .

وفي جميع الأحاديث تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " تذهبون بحجة وعمرة ، وأذهب أنا بحجة " .

وهذه نصوص في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر قبل أن يحل من حجه ، وهو أيضا دليل على أن جميع الصحابة قد اعتمروا مع حجهم قبل ليلة الحصبة ، فعلم أنهم كانوا متمتعين أو قارنين .

وعن ابن عباس قال : " اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة مع حجته " رواه الخمسة إلا النسائي .

وعن جابر : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج ثلاث حجج ، حجتين قبل أن [ ص: 537 ] يهاجر ، وحجة بعدما هاجر معها عمرة " رواه ابن ماجه ، والترمذي وقال : غريب .

ومعلوم قطعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر عقيب الحجة هو ولا أحد من أصحابه سوى عائشة ، وإنما خرج من مكة ليلة الصدر .

وإنما اعتمد الناس في العمرة بعد الحج على حديث عائشة ، وقد تقدم ذلك مفسرا ، فيجب أن يكون اعتمر في أشهر الحج ، إما قبل الحج أو معه ، ولم يحل من إحرامه ، ومثل هذا يسمى قارنا ومتمتعا بكل حال ؛ لأنه جمعهما في إحرام واحد .

وأيضا فإنه قد روي عنه ألفاظ صريحة من قوله ؛ مثل قوله : " لبيك عمرة وحجا " ، وقوله : " إني قرنت " ، وقوله : " قل عمرة في حجة " ، ومثل ما روت حفصة قالت : " قلت : يا رسول الله ، ما بال الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر " . متفق عليه .

[ ص: 538 ] ومن ذكر أنه أفرد الحج فإنما أخبر عن اعتقاده .

وأيضا : فإن رواة التمتع أكثر عددا ، وأجل قدرا ، وروايتهم أصح سندا وأشهر نقلا .

وأيضا فإن كل من روى الإفراد روى عنه أنه تمتع من غير عكس ، بل طرق الروايات عن ابن عمر وعائشة بأنه تمتع أصح .

وأيضا : فإن عامة الروايات التي فيها الإفراد إنما ذكروه مع أصحابه ، مثل حديث جابر وابن عباس ، وكان قصدهم بذلك . . .

[ ص: 539 ] وأيضا فمعنى قولهم : أفرد الحج ؛ أي أنه لم يحل من إحرامه بعمرة مفردة ، ولم يطف للعمرة طوافا يتميز به ، فصورته صورة المفرد ، وإن لم يكن لكلامهم محمل صحيح ، فيجب أن يحكم بوقوع الخطأ في تلك الروايات ؛ لما تقدم .

وأيضا : فإن من روى أنه تمتع مثبت لزيادة نفاها غيره ، والمثبت أولى من النافي .

وقال أحمد - في رواية أبي طالب - : كان هذا في أول الأمر بالمدينة . وقد زعم بعض أصحابنا أنه يجوز أنه كان قد تحلل من عمرته ، ثم أحرم بالحج مفردا ، فيسمى مفردا لذلك . قال : وعلى هذا يجمع بين كونه متمتعا وكونه لم يفسخ الحج ، وإنما يمتنع الفسخ ممن كان قارنا أو مفردا . وهذا غلط ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتحلل في حجته ، وهم إنما سألوه عن كونه لم يحل ، سواء كان قد أحرم بعمرة أو بحجة ، ولم يسألوه عن كونه لم يفسخ ، كأن من أراد أن يجمع بينهما تمتع ولم يفرد ، على أنهم لو سألوه عن ذلك فلأنه كان قارنا .

[ ص: 540 ] الثاني : أنه وإن كان أفرد فهو لم يعتمر بعد حجته من التنعيم ولا من غيره هو ، ولا أحد من أصحابه غير عائشة ، وإنما كان قد اعتمر قبل ذلك ، والإفراد على هذا الوجه هو أفضل من التمتع ، ومن القران عندنا ، وهذا هو الجواب عمن أفرد الحج من الخلفاء الراشدين ، فإن أحدا منهم لم ينقل عنه أنه اعتمر في سفرته تلك ، وإنما كانوا يحجون ويرجعون ، ويعتمرون في وقت آخر أو لا يعتمرون ، وإفراد الحج على هذا الوجه أفضل من المتعة .

الثالث : أن آخر الأمرين منه كان التأسف على المتعة ؛ لأنه رأى الإحلال أفضل ، كما في حديث جابر ، وهو لم يكن يشك في جواز العمرة في أشهر الحج حتى يعتقد ما اعتقده في أصحابه من أنهم فسخوا ؛ لكونهم لم يكونوا يجوزون العمرة في أشهر الحج .

وأما كون المتعة تفتقر إلى دم ، فذلك الدم دم نسك ، بدليل أنه يجوز التمتع لغير عذر ، ودماء الجبران لا يجوز التزامها إلا لعذر ، وبدليل جواز الأكل منه ، كما نطقت به الأحاديث الصحيحة ، ثم نقول : وإن كان دم جبران فهو مخير بين استدامة الإحرام بلا جبران ، وبين الإحلال والجبران . وهذا أفضل ؛ لأن كلامهم فيمن يعتمر في ذي الحجة من أدنى الحل ، وهذه العمرة ليست بطايل .

فالإحلال والدم والعمرة في أثناء الحج أفضل منها . وهذا هو [ ص: 541 ] الجواب عن قولهم : المفرد يأتي بنسكين تامين ، فإنه متى أتم العمرة من دويرة أهله أو من . . . فهو أفضل من التمتع . والعمرة من أدنى الحل ليست بتلك التامة .

وأما كون المتعة رخصة : فكذلك الإحرام من أدنى الحل رخصة ، ثم الرخص في العبادات أفضل من الشدائد كما تقدم تقريره في الصلاة .

وأيضا : فإنه إذا اعتمر بعد الحجة : لم يتمكن من حلق رأسه ؛ لأنه لم يكن قد نبت شعره والحلق أو التقصير سنة عظيمة : فعمرة وحجة يأتي فيها بالحلق : أفضل من عمرة تخلو إحداهما عن الحلق والتقصير ، فإنه من جملة أعمال النسك .

[ ص: 542 ] وأيضا : فإن بعض الناس قد ذهب إلى أن العمرة من أدنى الحل لا تجزئ عن حجة الإسلام ، وكذلك عمرة القارن ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وذهب بعضهم إلى أن الاعتياض عنها بالطواف أفضل ، فيجب أن يكون ما أجمع على إجزائه ، ويتسع الوقت بعده للطواف أفضل .

وأيضا فإنه إذا أراد أن يجمع بينهما في سفرة واحدة كان تقديم العمرة أحوط له بخلاف ما إذا أخرها ، فإنه تغرير بها ؛ لأن وقت الواحد واحد لا يتغير بتقديم العمرة وتأخيرها ، وهذا معنى قول أحمد : هو آخر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يجمع الحج والعمرة جميعا ، ويعمل لكل واحد على حدة ، فبين أنه يجمع الحج والعمرة فيحل منهما جميعا إذا قضى حجه ، وله فضيلة على القارن بأنه يعمل لكل واحد على حدة .

[ ص: 543 ] وأيضا : فإن التمتع بالعمرة إلى الحج مخالفة لهدي المشركين ودلهم ، فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ، وكلما كان من المناسك فيه مخالفة لهدي المشركين فإنه واجب ، أو مستحب ، مثل الخروج إلى عرفة ، وترك الوقوف عشية عرفة بمزدلفة ، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس ، والإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس ، والطواف بالثياب ، ودخول البيت من الباب وهو محرم ، والطواف بالصفا والمروة .

وأيضا : فما أشار إليه أحمد في رواية أبي طالب فقال : إذا دخل بعمرة فيكون قد جمع الله له عمرة وحجة ودما ؛ وهذا لأنه يأتي بالعمرة والحج على حدة ، وذلك أفضل من أن يجمعها بإحرام واحد ؛ لأنه يأتي بإحلالين ، وإحرامين ، وتلبيتين ، وطوافين ، وسعيين ، فهو يترجح على القارن من هذا الوجه ، وعمرته تجزئه عن عمرة الإسلام بالاتفاق بخلاف عمرة القارن فإن فيها اختلافا ، وليس القارن بأعجل من المتمتع ؛ لأن كلاهما يفرغ من العمرة والحج جميعا ، ويزيد المتمتع عليه بأنه يفرغ من العمرة قبله ، فيكون أسبق منه إلى أداء النسك .

ويترجح على المفرد : بأنه يأتي بالعمرة والحج في الوقت الذي يأتي فيه المفرد بالحج وحده ، ونسكان أفضل من نسك ، وأنه يأتي مع ذلك بدم المتمتع ، وهو دم نسك كما تقدم ؛ فيكون ما اشتمل على زيادة أفضل كما فضل المفرد على القارن ؛ لأنه يطوف ويسعى مرتين . وعمرة وحجة وهدي أفضل من حجة لا عمرة فيها ولا هدي .

وقد تقدم عن ابن عمر أنه نبه على هذا المعنى حيث قال : " لأن أعتمر في أشهر الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر في ذي الحجة بعد الحج ولا أهدي " .

[ ص: 544 ] ويتسع الوقت للمتمتع بعد الصدر من منى إن أحب أن يأتي بعمرة أخرى ، وإن أحب أن يطوف بالبيت ، فيكون ذلك زيادة ، لا سيما إن خيف أن لا يتمكن من الاعتمار بعد الحج لخوف ، أو غلاء ، أو غير ذلك .

فتحصيل العمرة قبل الحج أوثق . وإن كان الحاج امرأة خيف عليها أن تحيض بعد الصدر ، ويستمر بها الحيض حتى لا تتمكن من الاعتمار ، فإذا دخلت متمتعة وحاضت صنعت كما صنعت عائشة - رضي الله عنها - .

فأما إن ساق الهدي فينبغي أن يكون أفضل من الإفراد بلا تردد ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شك أنه ساق الهدي ، وكان قارنا ، أو متمتعا . والأظهر أنه كان قارنا ، فكيف يفضل ما لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على فعله ؟ وذلك لأنه يأتي بالعمرة والحج جميعا كما تقدم .

وأما كون الإفراد أفضل من القران ، فهكذا قال أصحابنا ، وهذا إذا لم يسق الهدي ولم أجد عن أحمد نصا بذلك ، قالوا : لأن في عمل المفرد زيارة على القارن ، وهو أنه يأتي بإحرامين ، وإحلالين ، وتلبيتين ، وطوافين ، وسعيين ، ويتوجه . . .

وأيضا : فإن المتعة قد اختلف في وجوبها ، سواء أحرم بالعمرة أولا ، أو بالحج ، أو بهما ، فكان ابن عباس يرى وجوبها ؛ فعن عطاء ومجاهد : " أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي " .

[ ص: 545 ] وعن أبي هشام " أنه قد قدم حاجا ، فسأل ابن عباس ، فقال : اجعلها عمرة ، ثم لقيت ابن عمر ، فقال : اثبت على إحرامك ، ثم رجعت إلى ابن عباس فأخبرته بقوله ، فقال : إن طوافك بالبيت ينقض حرمك ، كلما طفت فجدد إهلالا " ، وفي رواية قال : " أهللت بالحج ، فلقيت ابن عباس وأنا أطوف وألبي ، فقال : أبحجة أو بعمرة ؟ قلت : حجة ، قال : اجعلها عمرة ، قلت : كيف أجعلها عمرة وهذا أول ما حججت ؟ قال : فأكثر من التلبية فإن التلبية تشد الإحرام ، وإن البيت ينقض ، والصفا والمروة تنقض " .

وعن مسلم القري قال : " سمعت ابن عباس يقول : يحل الحج الطواف والسعي " .

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال : " جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني قدمت حاجا ولم أذكر عمرة ، فطفت بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، فقال له ابن عباس : اعتمرت . فقال له القوم : إنك لم تفهمه ، فعاد فقال : إني قدمت حاجا ، قال : فصنعت ماذا ؟ قال : طفت بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، فقال : اعتمرت . فقالوا له : عد ؛ فإنه لم يفهم ، فقال : إني قدمت حاجا ولم أذكر عمرة ، فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة ، فقال : حدث أمر ؟ هي ثلاثا فإن أنت فأربع ، ولم يقل : هو ذاك . قال : وددت أنك قصرت " وتقدم عنه أنه قال : " والله ما تمت حجة [ ص: 546 ] رجل إلا بمتعة ، إلا رجل اعتمر في وسط السنة " ، وقد تأول على ذلك الكتاب والسنة .

قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، حدثني ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، قال : " قلت له : من أين كان ابن عباس يأخذ أنه من طاف بالبيت فقد حل ؟ قال : من قول الله - عز وجل - ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) ، ومن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع .

قال ابن أبي موسى : لا يستحب لأحد أن يحرم بنية الفسخ ، فأما من أحرم بالحج بنية المضي فيه ، ثم بدا له أن يفسخ رغبة في الجمع بين النسكين - في قلبه - جاز .

فإن قيل : فقد اختلف في كراهة المتعة كما حكيتم عن رجال من الصحابة ، وعن حيوة بن شريح قال : أخبرني أبو عيسى الخراساني ، عن عبد الله بن [ ص: 547 ] القاسم ، عن سعيد بن المسيب : " أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي قبض فيه : ينهى عن العمرة قبل الحج " .

وعن قتادة عن أبي شيخ الهنائي - ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة - : " أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كذا وكذا ، وركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم ، قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ، فقالوا : أما هذا فلا ، قال : أما إنها معها ولكن نسيتم " رواهما أبو داود . وهذا النهي [ ص: 548 ] إما أن يفيد الكراهة ، أو يكون معناه النهي عن فسخ الحج إلى العمرة ، وهو جمع بين الحج والعمرة .

قلنا : قد أجمع العلماء على أن المتعة لا تكره ، وقد ذكرنا معنى ما نقل في ذلك عن الصحابة ، ولكن كان بعض أمراء بني مروان يشدد في ذلك ، ويعاقب على المتعة . وهذا قد يكون رأى ذلك لنوع مصلحة ، مع أن هذا لا يعد خلافا .

[ ص: 549 ] وقد أنكر الصحابة الذين علموا معنى كلام عمر - مثل ابنه عبد الله وغيره - ذلك . على أنه لو نطق أحد بكراهة المتعة لكان مخصوما بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف من قال بوجوبها : فإنه أوجه حجة ، وأحسن انتزاعا ؛ إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر المسلمين بها ، وتغيظ على من امتنع منها .

وأما الحديثان فشاذان منكران ، مخالفان لكتاب الله وسنة رسوله الناطقة بأن هذا الحكم لا ينسخ حيث قال : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " . قال أبو بكر الأثرم : قد يكون من الحافظ الوهم أحيانا . والأحاديث إذا تظاهرت وكثرت كانت أثبت من الواحد الشاذ ، كما قال إياس بن معاوية : وإياك والشاذ من العلم .

[ ص: 550 ] وقال إبراهيم بن آدم : إنك إن حملت شاذا من العلم حملت شرا كثيرا . قال : والشاذ - عندنا - هو الذي يجيء على خلاف ما جاء به غيره ، وليس الشاذ الذي يجيء وحده بشيء لم يجئ أحد بمثله ، ولم يخالفه غيره .

ولعل معناه : أن يعتمر الرجل قبل الحج ، ثم يرجع إلى مصره ، ويؤخر الحج عن ذلك العام ، فيكون هذا منهيا عنه ؛ لكون الحج أوجب من العمرة ، وقد تكلف مشقة السفر إلى مكة ، ثم رجع بغير حج ، والحج واجب على الفور .

وأما الآخر ..... .

التالي السابق


الخدمات العلمية